فصل: الباب الأول في كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء **


بسم اللَّه الرحمن الرحيم

 مقدمة الكتاب

الحمد للَّه ناشر الأمم ومنشر الرمم بارئ النسم ومبرئ السقم معائد من فضله بسوابغ النعم الموعد من عصاه بأليم العقاب والنقم مخرج الخلائق بلطف صنعه إلى الوجود من العدم مقدر الأدواء ومنزل الدواء بأتم الصنع وأتقن الحكم وأشهد أن لا إله إلا اللّه شهادة خالصة بوفاء الذمم مخلصة من موبقات الخطل والندم وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث بجوامع الكلم المرسل إلى كافة العرب والعجم الذي أنار بلألاء نور مبعثه حنادس الظلم وأباد بسيف معجزه من تجبر وظلم وقطع ببرهان دلالة نبوته داء الشرك وحسم صلى اللَّه عليه صلاة دائمة باقية ما لمعت البروق وهمعت الديم وعلى آله أولي الفضل والكرم وعلى أصحابه الذين جعلوا شريعته لهم أمم وعلى أزواجه أمهات المؤمنين المبرآت من الدنس وشرَّف وكرم‏.‏

وبعد فإنه لما كانت صناعة الطب من أشرف الصنائع وأربح البضائع وقد ورد تفصيلها في الكتب الإلهية والأوامر الشرعية حتى جعل علم الأبدان قريناً لعلم الأديان وقد قالت الحكماء أن المطالب نوعان خير ولذة وهذان الشيئان إنما يتم حصولهما للإنسان بوجود الصحة لأن اللذة المستفادة من هذه الدنيا والخير المرجو في الدار الأخرى لا يصل الواصل إليهما إلا بدوام صحته وقوة بنيته وذلك إنما يتم بالصناعة الطبية لأنها حافظة للصحة الموجودة ورادّة للصحة جماعة من الحكماء والفلاسفة ممن لهم نظر وعناية بصناعة الطب وجملاً من أحوالهم ونوادرهم وأسماء كتبهم وجعلت ذكر كل واحد منهم في الموضع الأليق به على حسب طبقاتهم ومراتبهم فأما ذكر جميع الحكماء أصحاب التعاليم وغيرهم من أرباب النظر في سائر العلوم فإني أذكر ذلك إن شاء اللَّه تعالى مستقصى في كتاب معالم الأمم وأخبار ذوي الحكم وأما هذا الكتاب الذي قصدت حينئذ إلى تأليفه فإني جعلته منقسماً إلى خمسة عشر باباً وسميته كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء وخدمت به خزانة المولى الصاحب الوزير العالم العادل الرئيس الكامل سيد الوزراء ملك الحكماء إمام العلماء شمس الشريعة أمين الدولة كمال الدين شرف الملة أبي الحسن بن غزال بن أبي سعيد أدام اللَّه سعادته وبلغه في الدارين إرادته ومن اللَّه تعالى أستمد التوفيق والمعونة إنه ولي ذلك والقادر عليه وهذا عدد الأبواب  الباب الأول في كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها

 

الباب الثاني في طبقات الأطباء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطب

وكانوا المبتدئين بها‏.‏

الباب الخامس في طبقات الأطباء الذين كانوا منذ زمان جالينوس وقريباً منه الباب الرابع في طبقات الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم صناعة الطب الباب السادس في طبقات الأطباء الاسكندرانيين ومن كان في زمنهم من الأطباء النصارى وغيرهم الباب السابع في طبقات الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب الباب الثامن في طبقات الأطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس الباب التاسع في طبقات الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم الباب العاشر في طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر الباب الحادي عشر في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم الباب الثاني عشر في طبقات الأطباء الذين كانوا من الهند الباب الثالث عشر في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها الباب الرابع عشر في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مصر الباب الخامس عشر في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء الشام

 

الباب الأول كيفيَّة وجُود صنَاعَة الطِّب وَأول حدوثها

أقول إن الكلام في تحقيق هذا المعنى يعسر لوجوه أحدها بُعد العهد به فإن كل ما بعد عهده وخصوصاً ما كان من هذا القبيل فإن النظر فيه عسر جداً الثاني إننا لم نجد للقدماء والمتميزين وذوي الآراء الصادقة قولاً واحداً ساداً في هذا متفقاً عليه فنتبعه الثالث إن المتكلمين في هذا لما كانوا فرقاً وكانوا كثيري الاختلاف جداً بحسب ما وقع إلى كل واحد منهم أشكل التوجيه في أي أقوالهم هو الحق وقد ذكر جالينوس في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط إن البحث فيما بين القدماء عن أول من وجد صناعة الطب لم يكن بحثاً يسيراً ولنبدأ أولاً بإثبات ما ذكره مع ما ألحقناه به في جهة الحصر لهذه الآراء المختلفة وذلك أن القول في وجود صناعة الطب ينقسم إلى قسمين أولين فقوم يقولون بقدمه وقوم يقولون فالذين يعتقدون حدوث الأجسام يقولون إن صناعة الطب مُحْدثة لأن الأجسام التي يستعمل فيها الطب محدثة والذين يعتقدون القِدَم يعتقدون في الطب قِدَمه ويقولون إن صناعة الطب قديمة لم تزل مذ كانت كأحد الأشياء القديمة لم تزل مثل خلق الأنسان وأما أصحاب الحدوث فينقسم قولهم إلى قسمين فبعضهم يقول إن الطب خُلق مع خَلق الإنسان إذ كان من أحد الأشياء التي بها صلاح الإنسان وبعضهم يقول وهم الجمهور أن الطب استخرج بعد وهؤلاء أيضاً ينقسمون قسمين فمنهم من يقول إن اللَّه تعالى ألهمها الناس وأصحاب هذا الرأي على ما يقوله جالينوس وأبقراط وجميع أصحاب القياس وشعراء اليونانيين ومنهم من يقول أن الناس استخرجوها وهؤلاء قوم من أصحاب التجربة وأصحاب الحيل وثاسلس المغالط وفيلن وهم أيضاً مختلفون في الوضع الذي به استخرجت وبماذا استخرجت فبعضهم يقول أن أهل مصر استخرجوها ويصححون ذلك من الدواء المسمى باليونانية الأنى وهو الراسن وبعضهم يقول أن هرمس استخرج سائر الصنائع والفلسفة والطب وبعضهم يقول أن أهل فولوس استخرجوها من الأدوية التي ألفتها القابلة لامرأة الملك فكان بها برؤها وبعضهم يقول أن أهل موسيا وأفروجيا استخرجوها وذلك أن هؤلاء أول من استخرج الزّمر فكانوا يشفون بتلك الألحان والإيقاعات آلام النفس ويشفي آلام النفس ما يشفى به البدن وبعضهم يقول أن المستخرج لها الحكماء من أهل قو وهي الجزيرة التي كان بها أبقراط وآباؤه وأعني آل اسقليبيوس وقد ذكر كثير من القدماء أن الطب ظهر في ثلاث جزائر في وسط الإقليم الرابع أحداها تسمى رودس والثانية تسمى قنيدس والثالثة تسمى قو ومن هذه كان أبقراط وبعضهم يرى أن المستخرج لها الكلدانيون وبعضهم يقول أن المستخرج لها السحرة من أهل اليمن وبعضهم يقول بل السحرة من بابل أو السحرة من فارس وبعضهم يقول أن المستخرج لها الهند وبعضهم يقول أن المستخرج لها أهل أقريطش الذين ينسب لافتيمون إليهم وبعضهم يقول أهل طورسينا فالذين قالوا أن الطب من اللَّه تعالى قال بعضهم هو إلهام بالرؤيا واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة وشفت كل من استعملها وقال قوم ألهمها اللَّه تعالى بالتجربة ثم زاد الأمر في ذلك وقوي واحتجوا أن إمرأة كانت بمصر وكانت شديدة الحزن والهم مبتلاة بالغنظ والدرد ومع ذلك فكانت ضعيفة المعدة وصدرها مملوء إخلاطاً رديئة وكان حيضها محتبساً فاتفق لها أن أكلت الراسن مراراً كثيرة بشهوة منها له فذهب عنها جميع ما كان بها ورجعت إلى صحتها وجميع من كان به شيء مما كان بها لما والذين قالوا أن اللَّه تعالى خلق صناعة الطب احتجوا في ذلك بأنه لا يمكن في هذا العلم الجليل أن يستخرجه عقل إنسان وهذا الرأي هو رأي جالينوس وهذا نص ما ذكره في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط قال وأما نحن فالأصوب عندنا والأولى أن نقول أن اللّه تبارك وتعالى خلق صناعة الطب وألهمها الناس وذلك أنه لايمكن في مثل هذا العلم الجليل أن يدركه عقل الإنسان لكن اللّه تبارك وتعالى هو الخالق الذي هو بالحقيقة فقط يمكنه خلقه وذلك أنا لا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند اللّه تبارك وتعالى ووجدت في كتاب الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران الذي وسمه ببستان الأطباء وروضة الألباء كلاماً نقله عن أبي جابر المغربي وهو هذا قال سبب وجود هذه الصناعة وحي وإلهام والدليل على ذلك أن هذه الصناعة موضوعة للعناية بأشخاص الناس إما لأن تفيدهم الصحة عند المرض وأما لأن تحفظ الصحة عليهم وممتنع أن تعني الصناعة بالأشخاص بذاتها دون أن تكون مقرونة بعلم أمر هذه الأشخاص التي خصت العناية بها ومن البيّن أن الأشخاص ذوات مبدأ لوقوعها تحت العدد وكل معدود فأوله واحد تكثّر ولا يجوز أن تكون أشخاصُ الناس إلى ما لا نهاية له لأن خروج ما لا نهاية له إلى الفعل محال قال ابن المطران ليس كل ما لا يقدر على حصره فلا نهاية له بل قد تكون له نهاية يضعف عن حصرها قال أبو جابر وإذا كانت الأشخاص التي لا تقوم هذه الصناعة إلا بها ذوات مبدأ ضرورةً فالصناعة ذات مبدأ ضرورة ومن البين أن الشخص الذي هو أول الكثرة مفتقر إليها كافتقار سائرهم ومن البين أيضاً أنه لا يأتي من أول شخص وجد علم هذه الصناعة استنباطاً لقصر عمره وطول الصناعة ولا يجوز أن يجتمعوا في مبدأ الكثرة على استنباطها من أجل أن الصناعة متقنة محكمة وكل أمر متقن لا يستنبط بالاختلاف بل بالاتفاق والأشخاص التي هي أول في الكثرة لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن من أجل أن كل شخص لا يساوي كل شخص من جميع الجهات وإذا لم تتساو من جهة آرائها لم يجز أن تجتمع على أمر محكم قال ابن المطران هذا يؤدي أيضاً في باقي العلوم والصناعات إلى أنها إلهام لأنها ذوات إتقان أيضاً وقوله أيضاً أن الأشخاص لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن ليس بشيء بل اجتماعها لا يكون إلا على أمر متقن وإنما الاختلاف يقع مع عدم الإتقان قال أبو جابر فقد بان أن الأشخاص في مبدأ الكثرة لا يتأتى منها استنباط هذه الصناعة وكذلك عند نهاية الكثرة لتباينهم وافتراقهم ووقوع الخلف بينهم ونقول أيضاً يجوز أن يشك شاك فيقول هل يتأتى عندك أن يعرف إنسان من الناس أو كثير منهم منابت الحشائش والعقاقير ومواضع المعادن وخواصها وقوى أعضاء سائر الحيوان وخواصها ومضارها ومنافعها ويعرف سائر الأمراض والبلدان واختلاف امزجة أهلها مع تفريق ديارهم ويعرف القوة التي ينتجها تركيب الأدوية وما يضاد قوة قوةٍ من قوى الأدوية وما يلائم مزاجاً مزاجاً وما يضاده مع ما يتبع ذلك من سائر صناعة الطب فإن سهل ذلك وهونه كذب وإن صعب أمره في علمه من جهة المعرفة قلنا استنباطه ممتنع وإذا لم يكن للصناعة الطبية لابتدائها إلا الاستنباط أو الوحي أو الإلهام وكان لا سبيل إلى استنباط هذه الصناعة بقي أن تكون موجودة بطريق الوحي والإلهام قال ابن المطران هذا كلام مشوش كله مضطرب وإن كان جالينوس قال في تفسير العهد أن هذه الصناعة وحيية إلهامية وقال فلاطن في كتاب السياسة أن اسقليبيوس كان رجلاً مؤيداً ملهما لكن تبعيد حصول هذه الصناعة باستنباط العقول خطأ وتضعيف العقول التي استنبطت أجل من صناعة الطب ولننزل أن أول العالم كان واحداً محتاجاً إلى صناعة الطب كحاجة هذا العالم الجم الغفير اليوم وأنه ثقل عليه جسمه واحمرت عيناه وأصابه علامات الامتلاء الدموي ولا يدري ما يفعل فأصابه من قوته الرعاف فزال عنه ما كان يجده فعرف ذلك فعاوده في وقت آخر ذلك بعينه فبادر إلى أنفه فخدشه فجرى منه الدم فسكن عنه ما كان يجده فصار ذلك عنده محفوظاً يعلمه كل من وجده من ولده ونسله ولطفت حواشي الصناعة حتى فتح العرق بلطافة ذهن ورقة حس ولو نزلنا لفتح العرق أن آخر ممن هذه صفته انجرح أو انخدش فجرى منه الدم فكان له ما ذكرنا من النفع ولطفت الأذهان في استخراج الفصد جاز فصار هذا باباً من الطب وآخر امتلأ من الطعام امتلاء مفرطاً فأصابه من طبيعته أحد الاستفراغين إما القيء وإما الاسهال بعد غثيان وكرب وقلق وتهوع ومغص وقراقر وريح جوالة في البطن فعند ذلك الاستفراغ سكن جميع ما كان يجده وقد كان آخر من الناس عبث ببعض اليتوعات فمغصه فأسهله وقيأه اسهالاً وقيئاً كثيراً وصارت عنده معرفة أن هذه الحشيشة تفعل هذا الفعل وأن هذا الحادث مخفف لتلك الأعراض مزيل لها فذكره لذلك الشخص وحثه على استعمال القليل منه لمّا تعوق عليه القيء والإسهال وصعبت عليه الأعراض فأداه إلى غرضه منهما وخفف عنه ما لقي من شر تلك الأعراض ولطفت الصناعة ورقت حواشيها ونظرت في باقي الحشائش الشبيهة بتلك ما منها يفعل ذلك وما منها لا يفعله وما منها يفعله بعنف وما منها يفعله بضعف وجاء صفاء العقول فنظر في الدواء الذي يفعل ذلك أيُّ الطعوم طعمه وأيُّ الكيفيات يسبق إلى اللسان منه وأيها يتبعها فجعل ذلك سباره ويستخرج منه وأعانته التجربة وأخرجت ما وقع له من القول إلى الفعل وكذبت ما غلط فيه وصححت ما حدس عليه حدساً صحيحاً حتى اكتفى من ذلك وإذا نزلت أن مسهولاً لا يعلم أي الأدوية وأي الأغذية ينفعه أو يضره استعمل بالاتفاق سماقاً في غذائه فانتفع به ودام عليه فأبرأه فأحب أن يعلم بماذا أبرأه فتطعمه فوجده حامضاً قابضاً فعلم أنه لا يخلو من أن يكون حمضه نفعه أو قبضه فذاق غيره مما فيه حموضة محضة فقط واستعمله في غيره ممن به مثل ما كان به فوجده لا يفيده ما أفاده هو فعمد إلى شيء آخر طعمه قابض فقط فاستعمله في ذلك الشخص بعينه فوجد فائدته فيه أكثر من فائدة الحامض المطلق فعلم أن ذلك الطعم مفيد في تلك الحالة وسماه قابضاً وسمى ذلك استفراغاً وقال إن القابض ينفع من الاستفراغ ولطفت الصناعة ورقت حواشيها في ذلك حتى استخرجت العجائب واستنبطت البدائع وأتى الثاني فوجد الأول وقد استخرج شيئاً جرّبه فوجده حقاً فاحتفظ به وقاس عليه وتمم حتى استكملت الصناعة ولو نزلنا مجيء مخالف وجدنا كثيرين موافقين وإذا غلط متقدم سدد متأخر وإذا قصَّر قديم تمَّم محدث هكذا في جميع الصناعات كذا الغالب على ظني قال قال حبيش الأعسم أن رجلاً اشترى كبداً طرية من جزار ومضى إلى بيته فاحتاج أن ينصرف في حاجة أخرى فوضع تلك الكبد التي كانت معه على أوراق نبات مبسوطة كانت على وجه الأرض ثم قضى حاجته وعاد ليأخذ الكبد فوجدها قد ذابت وسالت دماً فأخذ تلك الأوراق وعرف ذلك النبات وصار يبيعه دواء للتلف حتى فطن به وأمر بقتله أقول هذه الحكاية كانت في وقت جالينوس وقال إنه كان السبب في مسك ذلك الرجل وفي توديته إلى الحاكم حتى أمر بقتله قال جالينوس وأمرت أيضاً في وقت مروره إلى القتل أن تشد عيناه حتى لا ينظر إلى ذلك النبات أو أن يشير إلى أحد سواه فيتعلمه منه ذكر ذلك في كتابه في الأدوية المسهلة وحدثني جمال الدين النقاش السعودي أن في لحف الجبل الذي بأسعرد على الجانب الآخر منه قريباً من الميدان عشباً كثيراً وأن بعض الفقراء من مشايخ أهل المدينة أتى إلى ذلك الموضع ونام على نبات هناك ولم يزل نائماً إلى أن عبر عليه جماعة فوجدوه كذلك وتحته دماً سائحاً من أنفه ومن ناحية المخرج فأنبهوه وبقوا متعجبين من ذلك إلى أن ظهر لهم أنه من النبات الذي نام عليه وأخبرني أنه خرج إلى ذلك الموضع ورأى ذلك النبات وذكر من صفته أنه على شكل الهندبا غير أنه مشرف الجوانب وهو مر المذاق قال وقد شاهدت كثيراً ممن يدنيه إلى أنفه ويستنشقه مرات فإنه يحدث له رعافاً في الوقت هذا ما ذكره ولم يتحقق عندي في أمر هذا النبات هل هو الذي أشار إليه جالينوس أو غيره قال ابن المطران فأقول حينئذ أن النفس الفاضلة المفيدة للخير نَظَرت حينئذ فعلمت وكما أن الدواء فعل ذلك الفعل فلا بد وأن يكون خَلْق دواء آخر ينفع هذا العضو ويقاوم هذا الدواء ففتش عليه بالتجربة ولم يزل يطلب في كل يوم أو في كل وقت حيواناً فيعطيه الدواء الأول ثم الثاني فإن دفع ضرره فقد حصل مراده وإن لم ينفع فيه طلب غيره حتى وقع على ذلك الدواء وفي استخراج الترياق أعظم دليل على ما قلت إذ لم يكن الترياق سوى حب الغار وعسل ثم صار إلى ما صار إليه من الكثرة والنفع لا بوحي ولا إلهام ولكن بقياس وصفاء عقول وفي مدد طويلة فإن قلت من أين علم أن الدواء لا بد له من ضد قلنا إنهم لما نظروا إلى قاتل البيش وهو نبات يطلع فإذا وقع على البيش جففه وأتلفه علموا أن مثله في غيره فطلبوه والعالم الفطن يقدر على علم كيفية استخراج شيء من المعلومات إذا نظر فيه على قياسنا الذي وضعناه له وقد عمل جالينوس كتاباً في كيف كان استخراج جميع الصناعات فما زاد فيه من النحو الذي ذكرنا أقول وإنما نقلنا هذه الآراء التي تقدم ذكرها على اختلافها وتنوعها لكون مقصدنا حينئذ أن نذكر جل ما ذهب إليه كل فريق ولما كان الخُلف والتباين في هذا على ما ترى صار طلب أوله عسراً جداً إلا أن الإنسان العاقل إذا فكر في ذلك بحسب معقوله فإنه يجد صناعة الطب لا يبعد أن تكون أوائلها قد تحصلت من هذه الأشياء التي قد تقدمت أو من أكثرها وذلك أنا نقول أن صناعة الطب أمر ضروري للناس منوطة بهم حيث وجدوا ومتى وجدوا إلا أنها قد تختلف عندهم بحسب المواضع وكثرة التغذي وقوة التمييز فتكون الحاجة إليها أمسَّ عند قوم دون قوم وذلك أنه لما كانت بعض النواحي قد يعرض فيها كثيراً أمراض ما لأهل تلك الناحية وخصوصاً كلما كانوا أكثر تنوعاً في الأغذية وهم أدوم أكلاً للفواكه فإن أبدانهم تبقى متهيئة للأمراض وربما لم يفلت منهم أحد في سائر أوقاته من مرض يعتريه فيكون أمثال هؤلاء مضطرين إلى الصناعة الطبية أكثر من غيرهم ممن هم في نواحي أصح هواء وأغذيتهم أقل تنوعاً وهم مع ذلك قليلو الاغتذاء بما عندهم ثم أن الناس أيضاً لما كانوا متفاضلين في قوة التمييز النطقي كان أتمهم تمييزاً وأقواهم حنكة وأفضلهم رأياً أدرك وأحفظ لما يمر بهم من الأمور التجريبية وغيرها لمقابلة الأمراض بما يعالجها به من الأدوية دون غيره فإذا اتفق في بعض النواحي أن يكون أهلها تعرض لهم الأمراضُ كثيراً وكان فيهم جماعة عدة بمثابة من أشرنا إليه أولاً فإنهم يتسلطون بقوة إدراكهم وجودة قرائحهم وبما عندهم من الأمور التجريبية وغيرها على سبيل المداواة فيجتمع عندهم على الطول أشياء كثيرة من صناعة الطب ولنذكر حينئذ أقساماً في مبدئية هذه الصناعة بقدر الممكن فنقول القسم الأول أن أحد الأقسام في ذلك أنه قد يكون حصل لهم شيء منها عن الأنبياء والأصفياء عليهم السلام بما خصهم اللَّه تعالى به من التأييد الإلهي روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان سليمان بن داودَ عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت وقال قوم من اليهود أن اللَّه عز وجل أنزل على موسى عليه السلام سفر الأشفية والصابئة تقول أن الشفاء كان يؤخذ من هياكلهم على يد كهانهم وصلحائهم بعض بالرؤيا وبعض بالإلهام ومنهم من قال أنه كان يوجد مكتوباً في الهياكل لا يعلم من كتبه ومنهم من قال أنها كانت تخرج يد بيضاء مكتوب عليها الطب ونقل عنهم إن شيت أظهر الطب وأنه ورثه عن آدم عليهما الصلاة والسلام فأما المجوس فإنها تقول أن زرادشت الذي تدعي أنه نبيهم جاء بكتب علوم أربعة زعموا أنها جلدت باثني عشر ألف جلد جاموس ألف منها طب وأما نبط العراق والسورانيون والكلدانيون والكسدانيون وغيرهم من أصناف النبط القدم فيدّعي لهم أنهم اكتشفوا مبادئ صناعة الطب وأن هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة كان بينهم ويعرف علومهم فخرج حينئذ إلى مصر وبث في أهلها العلوم والصنائع وبنى الأهرام والبرابي ثم انتقل العلم منهم إلى اليونانيين وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فانك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن الاسكندر لما تملك مملكة داراً واحتوى على فارس أحرق كتب دين المجوسية وعمد إلى كتب النجوم والطب والفلسفة فنقلها إلى اللسان اليوناني وأنفذها إلى بلاده وأحرق أصولها وقال الشيخ أبو سليمان المنطقي قال لي ابن عدي إن الهند لهم علوم جليلة من علوم الفلسفة وأنه وقع إليها أن العلم من ثمَّ وصل إلى اليونانيين وقال الشيخ أبو سليمان ولست أدري من أين وقال بعض علماء الإسرائيليين أن الذي استخرج صناعة الطب يوقال بن لامخ بن متوشالخ القسم الثاني أن يكون قد حصل لهم شيء منها بالرؤيا الصادقة مثل ما حكى جالينوس في كتابه في الفصد من فصده للعرق الضارب الذي أُمر به وذلك أنه قال إني أمرت في منامي مرتين بفصد العرق الضارب الذي بين السبابة والإبهام من اليد اليمنى فلما أصبحت فصدت هذا العرق وتركت الدم يجري إلى أن انقطع من تلقاء نفسه لأني كذلك أمرت في منامي فكان ما جرى أقل من رطل فسكن عني بذلك على المكان وجع كنت أجده قديماً في الموضع الذي يتصل به الكبد بالحجاب وكنت في وقت ما عرض لي هذا غلاماً قال وأعرف إنساناً بمدينة فرغامس شفاه اللَّه تعالى من وجع مزمن كان به في جنبه بفصد العرق الضارب من كفه والذي دعا ذلك الرجل إلى أن يفعل ذلك رؤيا رآها وقال في المقالة الرابعة عشرة من كتابه في حيلة البرء قد رأيت لساناً عظم وانتفخ حتى لم يسعه الفم وكان الذي أصابه ذلك رجلاً لم يعتد إخراج الدم قط وكان من أبناء ستين سنة وكان الوقت الذي رأيته فيه أول مرة الساعة العاشرة من النهار فرأيت أنه ينبغي لي أن أسهله بهذا الحب الذي قد جرت العادة باستعماله وهو الحب المتخذ بالصبر والسقمونيا وشحم الحنظل فسقيته الدواء نحو العشاء وأشرت عليه أن يضع على العضو العليل بعض الأشياء التي تبرِّد وقلت له افعل هذا حتى أنظر ما يحدث فأقدر المداواة على حسبه ولم يساعدني على ذلك رجل حضره من الأطباء فبهذا السبب أخذ الرجل ذلك الحب وتأخر النظر في أمر ما يداوي به العضو نفسه إلى الغد وكنا نطمع جميعاً أن يكون قد تبين فيه حسن أثر الشيء الذي يداوي به ونجربه عليه إذ كان فيه يكون البدن قد استفرغ كله والشيء المنصب إلى العضو قد انحدر إلى أسفل ففي ليلته رأى في حلمه رؤيا ظاهرة بينة فحمد مشورتي واتخذ مشورتي مادة في ذلك الدواء وذلك أنه رأى النائم آمراً يأمره بأن يمسك فيه عصارة الخس فاستعمل هذه العصارة كما أمره وبرأ برءاً تاماً ولم يحتج معها إلى شيء آخر يتداوى به وقال في شرحه لكتاب الإيمان لأبقراط وعامة الناس يشهدون على أن اللَّه تبارك وتعالى هو الملهم لهم صناعة الطب من الأحلام والرؤيا التي تنقذهم من الأمراض الصعبة من ذلك أنا نجد خلقاً كثيراً ممن لا يحصى عددهم أتاهم الشفاء من عند اللَّه تبارك وتعالى بعضهم على يد سارافس وبعضهم على يد اسقليبيوس بمدينة أفيداروس ومدينة قو ومدينة فرغامس وهي مدينتي وبالجملة فقد يوجد في جميع الهياكل التي لليونانيين وغيرهم من سائر الناس الشفاء من الأمراض الصعبة التي تأتي بالأحلام وبالرؤيا وأريباسيوس يحكي في كناشه الكبير أن رجلاً عرض له في المثانة حجر عظيم قال وداويته بكل دواء مستصلح لتفتيت الحجر فلم ينتفع البتة وأشرف على الهلاك فرأى في النوم كأن إنساناً أقبل عليه وفي يده طائر صغير الجثة وقال له أن هذا الطائر اسمه صفراغون ويكون بمواضع السباحات والآجام فخذه واحرقه وتناول من رماده حتى تسلم من هذه العلة فلما انتبه فعل ذلك فأخرج الحجر من مثانته متفتتاً كالرماد وبَرَأَ برءاً تاماً ومما حصل أيضاً من ذلك بالرؤيا الصادقة أن بعض خلفاء المغرب مرض مرضاً طويلاً وتداوى بمداواة كثيرة فلم ينتفع بها فلما كان في بعض الليالي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وشكى إليه ما يجده فقال له صلى الله عليه وسلم ادهن بلا وكل لا تبرأ فلما انتبه من نومه بقي متعجباً من ذلك ولم يفهم ما معناه فسأل المعبرين عنه فكل منهم عجز عن تأويله ما خلا علي بن أبي طالب القيراوني فإنه قال يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك أن تدهن بالزيت وتأكل منه فتبرأ فلما سأله من أين له معرفة ذلك قال من قول اللَّه عزّ وجلّ من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فلما استعمل ونقلت من خط علي بن رضوان في شرحه لكتاب جالينوس في فرق الطب ما هذا نصه قال وقد كان عرض لي منذ سنين صداع مبرح عن امتلاء في عروق الرأس ففصدت فلم يسكن وأعدت الفصد مراراً وهو باق على حاله فرأيت جالينوس في النوم وقد أمرني أن أقرأ عليه حيلة البرء فقرأت عليه منها سبع مقالات فلما بلغت إلى آخر السابعة قال نسيت ما بك من الصداع وأمرني أن أحجم القمَحْدُوة من الرأس ثم استيقظت فحجمتها فبرأت من الصداع على المكان وقال عبد اللّه بن زهر في كتاب التيسير إنني كنت قد اعتل بصري من قيئ بحراني افرط علي فعرض لي انتشار في الحدقتين دفعة فشغل بذلك بالي فرأيت فيما يرى النائم من كان في حياته يعني بأعمال الطب فأمرني في النوم بالاكتحال بشراب الورد وكنت في ذلك الزمان طالباً قد حذقت ولم تكن لي حنكة في الصناعة فأخبرت أبي فنظر في الأمر ملياً ثم قال لي استعمل ما أمرت به في نومك فانتفعت به ثم لم أزل استعمله إلى وقت وضعي هذا الكتاب في تقوية الأبصار أقول ومثل هذا أيضاً كثير مما يحصل بالرؤيا الصادقة فإنه قد يعرض أحياناً لبعض الناس أن يروا في منامهم صفات أدوية ممن يوجدهم أياها فيكون بها برؤهم ثم تشتهر المداواة بتلك القسم الثالث أن يكون قد حصل لهم شيء منها أيضاً بالاتفاق والمصادفة مثل المعرفة التي حصلت لاندروماخس الثاني في إلقائه لحوم الأفاعي في الترياق والذي نشطه لذلك وأفرد ذهنه لتأليفه ثلاثة أسباب جرت على غير قصد وهذا كلامه قال أما التجربة الأولى فإنه كان يعمل عندي في بعض ضياعي في الموضع المعروف ببورنوس حراثون يحرثون الأرض للزرع وكان بيني وبين الموضع نحو فرسخين وكنت أبكر إليهم لأنظر ما يعملون وأرجع إذا فرغوا وكنت أحمل لهم معي على الدابة التي تحت الغلام زاداً وشراباً لتطيب أنفسهم ويتجلدوا على العمل فما زلت كذلك إلى أن حملت الغداء في بعض الأيام وكنت قد أخرجت إليهم بستوقة خضراء وفيها خمر مطينة الرأس لم تفتح مع زاد فلما أكلوا الزاد قدموا البستوقة وفتحوها فلما أدخل أحدهم يده مع كوز ليغرف منها الشراب وجد فيها أفعى قد تهرأ فأمسكوا عن الشراب وقالوا إن هاهنا في هذه القرية رجلاً مجذوماً يتمنى الموت من شدة ما به فنسقيه من ذلك الشراب ليموت ويكون لنا في ذلك أجر إذ نريحه من وصبه فمضوا إليه بزاد وسقوه من ذلك الشراب متيقنين أنه لا يعيش يومه ذلك فلما كان قريب الليل انتفخ جسمه نفخاً عظيماً وبقي إلى الغداة ثم سقط عنه الجلد الخارج وظهر الجلد الداخل الأحمر ولم يزل حتى صلب جلده وبرأ وعاش دهراً طويلاً من غير أن يشكو علة حتى مات الموت الطبيعي الذي هو فناء الحرارة الغريزية فهذا دليل على أن لحوم الأفاعي تنفع من الأوصاب الشديدة والأمراض العتيقة في الأبدان وأما التجربة الثانية فإن أخي أبولونيوس كان ماسحاً من قبل الملك على الضياع وكان كثيراً ما يخرج إليها في الأوقات الوعرة الرديئة في الصيف والشتاء فخرج ذات يوم إلى بعض القرى على سبعة فراسخ فنزل يستريح عند أصل شجرة وكان الزمان شديد الحر وأنه نام فاجتازته أفعى فنهشته في يده وكان قد ألقى يده على الأرض من شدة تعبه فانتبه بفزع وعلم أن الآفة قد لحقته ولم يكن به على القيام طاقة ليقتل الأفعى وأخذه الكرب والغشي فكتب وصية وضمنها اسمه ونسبه وموضع منزله وصفته وعلق ذلك على الشجرة كي إذا مات واجتاز به إنسان ورأى الرقعة يأخذها ويقرأها ويعلم أهله ثم استسلم للموت وكان بالقرب منه ماء قد حصل منه فضلة يسيرة في جوبة في أصل تلك الشجرة التي علق عليها الرقعة وكان قد غلبه العطش فشرب من ذلك الماء شرباً كثيراً فلم يلبث الماء في جوفه حتى سكن ألمه وما كان يجده من ضربة الأفعى ثم برأ فبقي متعجباً ولم يعلم ما كان في الماء فقطع عوداً من الشجرة وأقبل يفتش به الماء لأنه كره أن يفتشه بيده لئلا يكون فيه أيضاً شيء يؤذيه فوجد فيه أفعيين قد اقتتلا ووقعا جميعاً في الماء وتهرءا فأقبل أخي إلى منزلنا صحيحاً سالماً أيام حياته وترك ذلك العمل الذي كان فيه واقتصر بملازمتي وكان هذا أيضاً دليلاً على أن لحوم الأفاعي تنفع من نهش الأفاعي والحيات والسباع الضارية وأما التجربة الثالثة فإنه كان للملك يبولوس غلام وكان شريراً غمازاً خماناً فيه كل بلاء وكان كبيراً عند الملك يحبه لذلك وكان قد آذى أكثر الناس فاجتمع الوزراء والقواد والرؤساء على قتله فلم يتهيأ لهم ذلك لمكانته عند الملك فاحتال بعضهم وقال اذهبوا فاسحقوا وزن درهمين أفيوناً وأطعموه أياه في طعامه أو اسقوه في شرابه فإن الموت السريع يلحق الناس كثيراً فإذا مات حملتموه إلى الملك وليس به جراحة ولا قلبه فدعوه إلى بعض البساتين فلم يتهيأ لهم أن يفعلوا ذلك في الطعام فسقوه في الشراب فلم يلبث إلا قليلاً أن مات فقالوا نتركه في بعض البيوت ونختم عليه ونوكل الفعلة بباب البيت حتى نمضي إلى الملك نعلمه أنه قد مات فجأة ليبعث ثقاته ينظرونه فلما صاروا بأجمعهم إلى الملك نظر الفعلة إلى أفعى قد خرج من بين الحجر ودخل إلى البيت الذي فيه الغلام فلم يتهيأ لهم أن يدخلوا خلفه ويقتلوه لأن الباب كان مختوماً فلم يلبثوا إلا ساعة والغلام يصيح بهم لم قفلتم علي الباب أعينوني قد لسعتني أفعى ومد الباب من داخل وأعانه قوَّام البستان من خارج فكسروه فخرج وليس به قُلْبه وكان هذا أيضاً دليلاً على أن لحوم الأفاعي تنفع من شرب الأدوية القتالة المهلكة هذا جملة ما ذكره أندروماخس ومثل هذا أيضاً أعني ما حصل بالاتفاق والمصادفة أنه كان بعض المرضى بالبصرة وكان قد استسقى ويئس أهله من حياته وداووه بوصفات كثيرة من أدوية الأطباء فيئسوا منه وقالوا لا حيلة في برئه فسمع ذلك من أهله فقال لهم دعوني الآن اتزود من الدنيا وآكل كل ما عن لي ولا تقتلوني بالحمية فقالوا له كل ما تريد فكان يجلس بباب الدار فمهما جاز اشترى منه وأكل فمر به رجل يبيع جراداً مطبوخاً فاشترى منه كثيراً فلما أكله انسهل بطنه من الماء الأصفر في ثلاثة أيام ما كاد به أن يتلف لإفراطه ثم أنه عندما انقطع القيام زال كل ما كان في جوفه من المرض وثابت قوته فبرأ وخرج يتصرف في حوائجه فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره وسأله عن الخبر فعرفه فقال أن الجراد ليس من طبعه أن يفعل هذا فدلني على بائع الجراد فدله عليه فقال له من أين تصطاد هذا الجراد فخرج به إلى المكان فوجد الجراد في أرض أكثر نباتها المازريون وهو من دواء الاستسقاء وإذا دفع إلى مريض منه وزن درهم أسهل إسهالاًذريعاً لا يكاد أن يضبط والعلاج به خطر ولذلك ما تكاد تصفه الأطباء فلما وقع الجراد عى هذه الحشيشة ونضجت في جوفه ثم طبخ الجراد ضعف فعلها وأكل الجراد فعوفي بسببها ومثل هذا أيضاً أي مما حصل من طريق المصادفة والاتفاق أنه كان بافلوللن من سليلة اسقليبيوس ورم حار في ذراعه مؤلم ألماً شديداً فلما أشفى منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر كان عليه النبات المسمي حي العالم وأنه وضعها عليه تبرداً به فخف بذلك ألمه فاستطال وضع يده عليه وأصبح من غد فعمل مثل ذلك فبرأ برءاً تاماً فلما رأى الناس سرعة برئه علموا أنه إنما كان بهذا الدواء وهو على ما قيل أول ما عرف من الأدوية وأشباه هذه الأمثلة التي قد ذكرنا كثيرة القسم الرابع أن يكون قد حصل شيء منها أيضاً بما شاهده الناس من الحيوانات واقتدى بأفعالها وتشبه بها وذلك مثل ما ذكره الرازي في كتاب ‏)‏الخواص‏(‏ أن الخطاف إذا وقع بفراخه اليرقان مضى فجاء بحجر اليرقان وهو حجر أبيض صغير يعرفه فجعله في عشه فيبرأوا وأن الإنسان إذا أراد ذلك الحجر طلى فراخه بالزعفران فيظن أنه قد أصابهم اليرقان فيمضي فيجيء به فيؤخذ ذلك الحجر ويعلق على من به اليرقان فينتفع به وكذلك أيضاً شأن العقاب الأنثى أنه إذا تعسر عليها بيضها وخروجه وصعب حتى تبلغ الموت ورأى ذكرها ذلك طار وأحضر حجراً يعرف بالقلقل لأنه إذا حرك تقلقل في داخله فإذا كسر لم يوجد فيه شيء وكل قطعة منه إذا حركت تقلقلت مثل صحيحه وأكثر الناس تعرفه بحجر العقاب ويضعه فيسهل على الأنثى بيضها والناس يستعملونه في عسر الولادة على ما استنبطوه من العقاب ومثل ذلك أيضاً أن الحيات إذا أظلمت أعينهن لكمونهن في الشتاء في ظلمة بطن الأرض وخرجن من مكامنهن في وقت ما يدفأ الوقت طلبن نبات الرازيانج وأمررن عيونهن عليه فيصلح ما بها فلما رأى الناس ذلك وجربوه وجدوا من خاصيته إذهاب ظلمة البصر إذا اكتحل بمائه وذكر جالينوس في كتابه في الحقن عن أرودوطس إن طائراً يدعي أيبس هو الذي دل على علم الحقن وزعم أن هذا الطير كثير الاغتذاء لا يترك شيئاً من اللحوم إلا أكله فيحتبس بطنه لاجتماع الأخلاط الرديئة وكثرتها فيه فإذا اشتد ذلك عليه توجه إلى البحر فأخذ بمنقاره من ماء البحر ثم أدخله في دبره فيخرج بذلك الماء الأخلاط المحتقنة في بطنه ثم يعود إلى طعامه الذي عادته الاغتذاء به أن يكون حصل شيء منها أيضاً بطريق الإلهام كما هو لكثير من الحيوانات فإنه يقال أن البازي إذا اشتكى جوفه عمد إلى طائر معروف يسميه اليونانيون ذريفوس فيصيده ويأكل من كبده فيسكن وجعه على الحال وكما تشاهد عليه أيضاً السنانير فإنها في أوقات الربيع تأكل الحشيش فإن عدمت الحشيش عدلت إلى خوص المكانس فتأكله ومعلوم أن ذلك ليس مما كانت تغتذي به أولاً وإنما دعاها إلى ذلك الإلهام لفعل ما جعله اللَّه تعالى سبباً لصحة أبدانها ولا تزال كذلك إلى أن تحس بالصحة المأنوس إليها بالطبع فتكف عن أكله وكذلك أيضاً متى نالها أذى من بعض الحيوانات المؤذية ذات السموم وأكلت شيئاً منها فإنها تقصد إلى السيرج وإلى مواضع الزيت فتنال منه ذلك يسكن عنها سورة ما تجده ويحكى أن الدواب إذا أكلت الدفلي في ربيعها أضر ذلك بها فتسارع إلى حشيشة هي بادزهرللدفلى فترتعيها ويكون بها برؤها ومما يحقق ذلك حالة جرت من قريب وهي أن بهاء الدين بن نفادة الكاتب حكى أنه لما كان متوجهاً إلى الكرك كان في طريقه بالطليل وهي منزلة كثيرة نبات الدفلى فنزل هو وآخر في مكان منها وإلى جانبهم هذا النبات فربط الغلمان دوابهم هنالك وجعلت الدواب ترعى ما يقرب منها وأكلت من الدفلى فأمّا دوابّه فإن غلمانه غفلوا عنها فسابت ورعت من مواضع متفرقة وأما دواب الآخر فإنها بقيت في موضعها لم تقدر على التنقل منه ولما أصبحوا وجدت دوابه في عافية ودواب الآخرين قد ماتت بأسرها في ذلك الموضع وحكى ديسقوريدس في كتابه أن المعزى البرية بإقريطش إذا رميت بالنبل وبقيت في أبدانها فإنها ترعى النبات الذي يقال له المشكطرامشير وهو نوع من الفوتنج فيتساقط عنها ما رميت به ولم يضرها شيء منه وحدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكرندي أن اللقلق يعشش في أعلى القباب والمواضع المرتفعة وأن له عدواً من الطيور يتقصده أبداً ويأتي إلى عشه ويكسر البيض الذي فيه قال وإن ثم حشيشة من خاصيتها أن عدو اللقلق إذا شم رائحتها يغمى فيأتي بها اللقلق إلى عشه ويجعلها تحت بيضه فلا يقدر العدو عليها وذكر أوحد الزمان في المعتبر أن القنفذ لبيته أبواب يسدها ويفتحها عند هبوب الرياح التي تؤذيه وتوافقه وحكى أن إنساناً رأى الحباري تقاتل الأفعى وتنهزم عنها إلى بقلة تتناول منها ثم تعود لقتالها وإن هذا الإنسان عاينها فنهض إلى البقلة فقطعها عند اشتغال الحباري بالقتال فعادت الحباري إلى منبتها ففقدتها وطافت عليها فلم تجدها فخرت ميتة فقد كانت تتعالج بها قال وابن عرس يستظهر في قتال الحية بأكل السَّذاب والكلاب إذا دودت بطونها أكلت لسنبل وتقيأت واستطلقت وإذا جرح اللقلق داوى جراحه بالصعتر الجبلي والثور يفرق بين الحشائش المتشابهة في صورها ويعرف ما يوافقه منها فيرعاه وما لا يوافقه فيتركه مع نهمه وكثرة أكله وبلادة ذهنه ومثل هذا كثير فإذا كانت الحيوانات التي لا عقول لها ألهمت مصالحها ومنافعها كان الإنسان العاقل المميز المكلف الذي هو أفضل الحيوان أولى بذلك وهذا أكبر حجة لمن يعتقد أن الطب إنما هو إلهام وهداية من اللَّه سبحانه لخلقه وبالجملة فإنه قد يكون من هذا ومما وقع بالتجربة والاتفاق والمصادفة أكثر ما حصلوه من هذه الصناعة ثم تكاثر ذلك بينهم وعضده القياس بحسب ما شاهدوه وأدتهم إليه فطرتهم فاجتمع لهم من جميع تلك الأجزاء التي حصلت لهم بهذه الطرق المتفننة المختلفة أشياء كثيرة ثم إنهم تأملوا تلك الأشياء واستخرجوا عللها والمناسبات التي بينها فتحصّل لهم من ذلك قوانين كلية ومبادئ منها يبتدأ بالتعلم والتعليم وإلى ما أدركوه منها أولاً ينتهي فعند الكمال يتدرج في التعليم من الكليات إلى الجزئيات وعند استنباطها يتدرج من الجزئيات إلى الكليات وأقول أيضاً وقد أشرنا إلى ذلك من قبل أنه ليس يلزم أن يكون أول هذا مختصاً بموضع دون موضع ولا يفرد به قوم دون آخرين إلا بحسب الأكثر والأقل وبحسب تنوع المداواة ولهذا فإن كل قوم هم مصطلحون على أدوية يألفونها ويتداوون بها وأرى أنهم إنما اختلفوا في نسبة صناعة الطب إلى قوم بحسب ما قد كان يتجدد عند قوم فينسب إليهم فإنه قد يمكن أن تكون صناعة الطب في أمة أو في بقعة من الأرض فتدثر وتبيد بأسباب سماوية أو أرضية كالطواعين المفنية والقحوط المجلية والحروب المبيدة والملوك المتغلبة والسير المخالفة فإذا انقرضت في أمة ونشأت في أمة أخرى وتطاول الزمان عليها نسي ما تقدم وصارت الصناعة تنسب إلى الأمة الثانية دون الأولى ويعتبر أولها بالقياس إليهم فقط فيقال لها مذ ظهرت كذا وكذا وإنما يعني في الحقيقة مذ ظهرت في هذه الأمة خاصة وهذا مما لا يبعد فإنه على ما تواترت به الآثار وخصو صاً ما حكاه جالينوس وغيره أن أبقراط لما رأى صناعة الطب قد كادت أن تبيد وأنه قد درست معالمها عن آل اسقليبيوس الذين ابقراط منهم تداركها بأن أظهرها وبثها في الغرباء وقواها ونشرها وشهرها بأن أثبتها بالكتب فلهذا يقال أيضاً على ما ذهب إليه كثير من الناس أن أبقراط أول من وضع صناعة الطب وأول من دونها وليس الحق على ما تواترت به الآثار إلا أنه أول من دونها من آل اسقليبيوس لتعليم كل من يصلح لتعلمها من الناس كافة ومثله سلك الأطباء من بعده واستمر إلى الآن واسقليبيوس الأول هو أول من تكلم في شيء من الطب على ما سيأتي ذكره الباب الثاني طبقات الأطبَّاء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطِّب وكانوا المبتدئين بها اسقليبيوس قد اتفق كثير من قدماء الفلاسفة والمتطببين على أن اسقليبيوس كما أشرنا إليه أولاً هو أولمن ذكر من الأطباء وأول من تكلم في شيء من الطب على طريق التجربة وكان يونانياً واليونان منسوبون إلى يونان وهي جزيرة كانت الحكماء من الروم ينزلونها وقال أبو معشر في المقالة الثانية من كتاب الألوف أن بلدة من المغرب كانت تسمى في قديم الدهر أرغس وكان أهلها يسمون أرغيوا وسميت المدينة بعد ذلك أيونيا وسموا أهلها يونانيين باسم بلدهم وكان ملكها أحد ملوك الطوائف ويقال أن أول من اجتمع له ملك مدينة أيونيا من ملوك اليونانيين كان اسمه أيليوس وكان لقبه دقطاطر ملكهم ثماني عشر سنة ووضع لليونانيين سنناً كثيرة مستعلمة عندهم وقال الشيخ الجليل أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي في تعاليقه أن اسقليبيوس بن زيوس قالوا مولده روحاني وهو إمام الطب وأبو أكثر الفلاسفة قال وأقليدس ينسب إليه وأفلاطون وأرسطوطاليس وبقراط وأكثر اليونانية قال وبقراط كان السادس عشر من أولاده يعني البطن السادس عشر من أولاده وقال سولون أخو أسقليبيوس وهو أبو واضع النواميس أقول وترجمة اسقليبيوس بالعربي منع اليبس وقيل أن أصل هذا الاسم في لسان اليونانيين مشتق من البهاء والنور وكان اسقليبيوس على ما وجد في أخبار الجبابرة بالسريانية ذكي الطبع قوي الفهم حريصاً مجتهداً في علم صناعة الطب واتفقت له اتفاقات حميدة معينة على التمهر في هذه الصناعة وانكشفت له أمور عجيبة من أحوال العلاج بإلهام من اللَّه عز وجل وحكي أنه وجد علم الطب في هيكل كان لهم برومية يعرف بهيكل ابلن وهو للشمس ويقال أن اسقليبيوس هو الذي أوضع هذا الهيكل ويعرف بهيكل اسقليبيوس ومما يحقق ذلك أن جالينوس قال في كتابه في فينكس أن اللَّه عز اسمه لما خلصني من دبيلة قتالة كانت عرضت لي حججت إلى بيته المسمى بهيكل اسقليبيوس وقال جالينوس في كتابه حيلة البرء في صدر الكتاب مما يجب أن يحقق الطب عند العامة ما يرونه من الطب الإلهي في هيكل اسقليبيوس على ما حكاه هروسيس صاحب القصص بيت كان بمدينة رومية كانت فيه صورة تكلمهم عندما يسألونها وكان المستنبط لها في القديم اسقليبيوس وزعم مجوس رومية أن تلك الصورة كانت منصوبة على حركات نجومية وأنه كان فيها روحانية كوكب من الكواكب السبعة وكان دين النصرانية في رومية قبل عبادة النجوم كذا حكى هروسيس وذكر جالينوس أيضاً في مواضع كثيرة أن طب أسقليبيوس كان طباً إلهياً وقال أن قياس الطب الإلهي إلى طبنا قياس طبنا إلى طب الطرقات وذكر أيضاً في حق اسقليبيوس في كتابه الذي ألفه في الحث على تعلم صناعة الطب أن اللَّه تعالى أوحى إلى أسقليبيوس أني إلى أن أسميك ملكاً أقرب منك إلى أن أسميك إنساناً وقال أبقراط إن اللَّه تعالى رفعه إليه في الهواء في عمود من نور وقال غيره إن اسقليبيوس كان معظماً عند اليونانيين وكانوا يستشفون بقبره ويقال أنه كان يسرج على قبره كل ليلة ألف قنديل وكان الملوك من نسله تدّعي له النبوة وذكر أفلاطون في كتابه المعروف بالنواميس عن اسقليبيوس أشياء عدة من أخباره بمغيبات وحكايات عجيبة ظهرت عنه بتأييد ألهي وشاهدها الناس كما قاله وأخبر به وقال في المقالة الثالثة من كتاب السياسة أن أسقليبيوس كان هو وأولاده عالمين بالسياسة وكان أولاده جنداً فرهة وكانوا عالمين بالطب وقال إن أسقليبيوس كان يرى أن من كان به مرض يبرأ منه عالجه ومن كان مرضه قاتلاً لم يطل وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم إن أسقليبيوس هذا كان تلميذ هرمس وكان يسافر معه فلما خرجا من بلاد الهند وجاءا إلى فارس خلفه ببابل ليضبط الشرع فيهم قال وأما هرمس هذا فهو هرمس الأول ولفظه أرمس وهو اسم عطارد ويسمى عند اليونانيين أطرسمين وعند العرب أدريس وعند العبرانيين أخنوخ وهو ابن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهم السلام ومولده بمصر في مدينة منف منها قال وكانت مدته على الأرض اثنتين وثمانين سنة وقال غيره ثلاثمائة وخمساً وستين سنة قال المبشر ابن فاتك وكان عليه السلام رجلاً آدم اللون تام القامة اجلح حسن الوجه كث اللحية مليح التخاطيط تام الباع عريض المنكبين ضخم العظام قليل اللحم براق العين أكحل متأنياً في كلامه كثير الصمت ساكن الأعضاء إذا مشى أكثر نظره إلى الأرض كثير الفكرة به حدة وعبسة يحرك إذا تكلم سبابته‏.‏

وقال غيره إن اسقليبيوس كان قبل الطوفان الكبير وهو تلميذ أغاثوذيمون المصري وكان أغاثوذيمون أحد أنبياء اليونانيين والمصريين وتفسير أغاثوذيمون السعيد الجد وكان اسقليبيوس هذا هو البادئ بصناعة الطب في اليونانيين علمها بنيه وحذر عليهم أن يعلموها الغرباء‏.‏

وأما أبو معشر البلخي المنجم فإنه ذكر في كتاب الألوف أن اسقليبيوس هذا لم يكن بالمتأله الأول في صناعة الطب ولا بالمبتدئ بها بل أنه عن غيره أخذ وعلى نهج من سبقه سلك وذكر أنه كان تلميذ هرمس المصري وقال إن الهرامسة كانوا ثلاثة أما هرمس الأول وهو المثلث بالنعم فإنه كان قبل الطوفان ومعنى هرمس لقب كما يقال قيصر وكسرى وتسميه الفرس في سيرها اللهجد وتفسيره ذو عدل وهو الذي تذكر الحرّانية نبوته وتذكر الفرس أن جده كيومرث وهو آدم ويذكر العبرانيون أنه اخنوخ وهو بالعربية أدريس‏.‏

قال أبو معشر هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية وإن جده كيومرث وهو آدم علمه ساعات الليل والنهار وهو أول من بنى الهياكل ومجد اللَّه فيها وأول من نظر في الطب وتكلم فيه وأنه ألف لأهل زمانه كتباً كثيرة بأشعار موزونة وقواف معلومة بلغة أهل زمانه في معرفة الأشياء الأرضية والعلوية وهو أول من أنذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار وكان مسكنه صعيد مصر تخير ذلك فبنى هناك الأهرام ومدائن التراب وخاف ذهاب العلم بالطوفان فبنى البرابي وهو الجبل المعروف بالبرابر بأخميم وصور فيها جميع الصناعات وصنّاعها نقشاً وصور جميع آلات الصنّاع وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده برسوم حرصاً منه على تخليد العلوم لمن بعده وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم وثبت في الأثر المروي عن السلف أن أدريس أول من درس الكتب ونظر في العلوم وأنزل اللَّه وأما هرمس الثاني فإنه من أهل بابل سكن مدينة الكلدانيين وهي بابل وكان بعد الطوفان في زمن نزيربال الذي هو أول من بنى مدينة بابل بعد نمرود بن كوش وكان بارعاً في علم الطب والفلسفة وعارفاً بطبائع الأعداد وكان تلميذه فيثاغورس الأرتماطيقي وهرمس هذا جدد من علم الطب والفلسفة وعلم العدد ما كان قد دُرس بالطوفان ببابل ومدينة الكلدانيين هذه مدينة الفلاسفة من أهل المشرق وفلاسفتهم أول من حدد الحدود ورتب القوانين‏.‏

وأما هرمس الثالث فإنه سكن مدينة مصر وكان بعد الطوفان وهو صاحب كتاب الحيوانات ذوات السموم وكان طبيباً فيلسوفاً وعالماً بطبائع الأدوية القتالة والحيوانات المؤذية وكان جوالاً في البلاد طوافاً بها عالماً بنُصبة المدائن وطبائعها وطبائع أهلها وله كلام حسن في صناعة الكيمياء نفيس يتعلق منه إلى صناعات كثيرة كالزجاج والخرز والغضار وما أشبه ذلك وكان له تلميذ يعرف باسقليبيوس وكان مسكنه بأرض الشام‏.‏

رجع الكلام إلى ذكر اسقليبيوس وبلغ من أمر أسقليبيوس أن أبرأ المرضى الذين يئس الناس من برئهم ولما شاهده الناس من أفعاله ظن العامة أنه يحيي الموتى وأنشد فيه شعراء اليونانيين الأشعار العجيبة وضمنوها أنه يحيي الموتى ويرد كل من مات إلى الدنيا وزعموا أن اللَّه تعالى رفعه إليه تكرمة له وإجلالاً وصيره في عديد الملائكة ويقال أنه إدريس عليه السلام‏.‏

وقال يحيى النحوي أن أسقليبيوس عاش تسعين سنة منها صبي وقبل أن تفتتح له القوة الإلهية خمسين سنة وعالم معلم أربعين سنة وخلف ابنين ماهرين في صناعة الطب وعهد إليهما أن لا يعلما الطب إلا لأولادهما وأهل بيته وأن لا يدخلا في صناعة الطب غريباً وعهد إلى من يأتي بعده كذلك وأمرهم بأمرين أحدهما أن يسكنوا وسط المعمور من أرض اليونانيين وذلك في ثلاث جزائر منها قو جزيرة ابقراط والثاني أن لا تخرج صناعة الطب إلى الغرباء بل يعلمها الآباء الأبناء‏.‏

قال جالينوس وأما صورته فصورة رجل ملتح متزين بجمة ذات ذوائب ومما يبحث من أمر السبب في تصويره ملتحياً وتصوير أبيه أمرد فبعض الناس يقول إنه صور وصيغ بهذه الحال لأنه في وقت ما أصعده اللَّه إليه كان كذلك والبعض قال إن السبب في ذلك أن صناعته تحتاج إلى العفة والشيخوخة وبعض الناس قال إن السبب في تجاوزه في الحذق بصناعة الطب أباه وإذا تأملته وجدته قائماً متشمراً مجموع الثياب فيدل بهذا الشكل على أنه ينبغي للأطباء أن يتفلسفوا في جميع الأوقات وترى الأعضاء منه التي يُستحى من تكشفها مستورة والأعضاء التي يحتاج إلى استعمال الصناعة بها معراة مكشوفة ويصور آخذاً بيده عصاً معوجة ذات شعب من شجرة الخطمي فيدل بذلك على أنه يمكن في صناعة الطب أن يبلغ بمن استعملها من السن أن يحتاج إلى عصا يتكئ عليها أو لأن من أعطاه اللَّه تبارك وتعالى بعض العطايا يؤهل لإعطاء عصا بمنزلة ما وهب لإيفاسطس وزوس وهرمس وبهذه العصا نجد زوس يقر أعين من يحب من الناس فينبه بها أيضًا النيام وأما تصويرهم تلك العصا من شجر الخطمي فلأنه يطرد وينفي كل مرض وقال جالينوس وأما أعوجاجها وكثرة شعبها فتدل على كثرة الأصناف والتفنن الموجود في صناعة الطب ولن نجدهم أيضاً تركوا تلك العصا بغير زينة ولا تهيئة لكنهم صوروا عليها صورة حيوان طويل العمر ملتف عليها وهو التنين ويقرب هذا الحيوان من اسقليبيوس لأسباب كثيرة أحدها أنه حيوان حاد النظر كثير السهر لا ينام في وقت من الأوقات وقد ينبغي لمن قصد تعلم صناعة الطب أن لا يتشاغل عنها بالنوم ويكون في غاية الذكاء ليمكنه أن يتقدم فينذر بما هو حاضر وبما من شأنه أن يحدث وذلك أنك تجد أبقراط يشير بهذا الفعل في قوله إني أرى أنه من أفضل الأمور أن يستعمل الطبيب سابق النظر وذلك أنه إذا سبق فعلم وتقدم فانذر المرضى بالشيء الحاضر مما بهم وما مضى وما يستأنف وقد يقال أيضاً في تصوير التنين على العصا الماسك لها اسقليبيوس قول آخر وهو هذا قالوا هذا الحيوان أعني التنين طويل العمر جداً حتى أن حياته يقال أنها الدهر كله وقد يمكن في المستعملين لصناعة الطب أن تطول أعمارهم من ذلك أنا نجد ديموقريطس وأيرودوطس عندما استعملوا الوصايا التي تأمر بها صناعة الطب طالت حياتهم جداً فكما أن هذا الحيوان أعني التنين يسلخ عنه لباسه الذي يسميه اليونانيون الشيخوخة كذلك أيضاً قد يمكن الناس باستعمال صناعة الطب إذا سلخوا عنهم الشيخوخة التي تفيدهم إياها الأمراض أن يستفيدوا الصحة وإذا صوروا أسقليبيوس جُعل على رأسه إكليل متخذ من شجر الغار لأن هذه الشجرة تذهب بالحزن ولهذا نجد هرمس إذ سمي المهيب كلل بمثل هذا الإكليل فإن الأطباء ينبغي لهم أن يصرفوا عنهم الأحزان كذلك كلل اسقليبوس بأكليل يذهب بالحزن أو لأن الأكليل كان يعم صناعة الطب والكهانة رأوا أنه ينبغي أن يكون الإكليل الذي يتكلل به الأطباء والمتكهنون إكليلاً واحداً بعينه أو لأن هذه الشجرة أيضاً فيها قوة تشفي الأمراض من ذلك أنك تجدها إذا ألقيت في بعض المواضع هربت من ذلك الموضع الهوام ذوات السموم وكذلك أيضاً النبت المسمى قونورا وثمرة هذه الشجرة أيضاً وهي التي تسمى حب الغار إذا مرخ بها البدن فعلت فيه شبيهاً بفعل الجند بيدستر وإذا صوروا ذلك التنين جعلوا بيده بيضه يومون بذلك وقد ينبغي لنا أن نتكلم أيضاً في الذبائح التي تذبح باسم أسقليبيوس تقرباً إلى اللَّه تبارك وتعالى فنقول أنه لم يوجد أحد قرب اللَّه قرباناً باسم أسقليبيوس في وقت من الأوقات شيئاً من الماعز وذلك لأن شعر هذا الحيوان لا يسهل غزله بمنزلة الصوف ومن أكثر من لحمه سهل وقوعه في أمراض الصرع لأن الغذاء المتولد عنه رديء الكيموس مجفف غليظ حريف يميل إلى الدم السوداوي‏.‏

قال جالينوس بل إنما نجد الناس يقربون إلى اللَّه تبارك وتعالى باسم أسقليبيوس ديكة ويرون أيضاً أن سقراط قرب له هذه الذبيحة فبهذه الحال علم هذا الرجل الإلهي الناس صناعة الطب قنية ثابتة أفضل كثيراً من الأشياء التي استخرجها ديونوسس وديميطر قال حنين يعني باستخراج ديونوسس الخمر وذلك أن اليونانيين يرون أن أول من استخرج الخمر ديونوسس ويومي الشعراء بهذا الاسم إلى القوة التي إذا غيرت الماء في الكرمة أعدته ليكون الخمرة والسرور المتولد عنها في شرابها‏.‏

وأما استخراج ديميطر فالخبز وسائر الحبوب التي يتخذ منها ولهذا نجدهم يسمون هذه الحبوب بهذا الاسم وقد تسمي الشعراء بهذا الاسم أيضاً الأرض المخرجة للحبوب‏.‏

وأما استخراج اسقليبيوس فيعني به الصحة وهي التي لا يمكن دونها أن يقتني شيء من قال جالينوس وذلك أن ما استخرجه هذان لا ينتفع به ما لم يكن استخراج اسقليبيوس موجوداً‏.‏

وأما صورة الكرسي الذي يقعد عليه اسقليبوس فصورة القوة التي تستفاد بها الصحة وهي أشرف القوى‏.‏

وإذا تأملت صورة أسقليبيوس وجدته قاعداً متكئاً على رجال مصورين حوله وذلك واجب لأنه ينبغي أن يكون ثابتاً لا يزول من بين الناس ويصور عليه تنين ملتف حوله وقد خبرت سبب ذلك فيما تقدم‏.‏

ومن الآداب والحكم التي لأسقليبيوس مما ذكره الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم قال أسقليبيوس من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد‏.‏

وقال المتعبد بغير معرفة كحمار الطاحون يدور ولا يبرح ولا يدري ما هو فاعل‏.‏

وقال فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها‏.‏

وقال إعطاء الفاجر تقوية له على فجوره والصنيعة عند الكفور أضاعة للنعمة وتعليم الجاهل ازدياد في الجهل ومسألة اللئيم أهانة للعرض‏.‏

وقال إني لأعجب ممن يحتمي من المآكل الرديئة مخافة الضرر ولا يدع الذنوب مخافة الآخرة‏.‏

وقيل له صف لنا الدنيا فقال أمس أجل واليوم عمل وغداً أمل وقال المشفق عليكم يسيء الظن بكم والزاري عليكم كثير العتب لكم وذو البغضاء لكم قليل النصيحة لكم وقال سبيل من له دين ومروءة أن يبذل لصديقه نفسه وماله ولمن يعرفه طلاقة وجهه وحسن محضره ولعدوه العدل وأن يتصاون عن كل حال يعيب‏.‏

أيلق ويقال له أيلة قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل أن هذا أول حكيم تكلم في الطب ببلد الروم والفرس وهو أول من استنبط كتاب الأغريقي لهيامس الملك وتكلم في الطب وقاسه وعمل به وكان بعد موسى عليه الصلاة والسلام في زمان بذاق الحاكم وله آثار عظيمة وأخبار شنيعة وهو يعد في كثرة العجائب كاسقليبيوس

 

الباب الثالث طبقات الأطباء اليونانيين

الذين هم من نسل أسقليبيوس وذلك أن أسقليبيوس كما ذكرنا أولاً لما حصلت له معرفة صناعة الطب بالتجربة وبقيت عنده أمور منها وشرع في تعليمها لأولاده وأقاربه عهد اليهم ألا يعلموا هذه الصناعة لأحد إلا لأولادهم ولمن هو من نسل اسقليبيوس لا غير وكان الذي خلفه اسقليبيوس من التلاميذ من ولد وقرابة ستة وهم ماغينس وسقراطون وخروسيس الطبيب ومهراريس المكذوب عليه المزور نسبه في الكتب الأولى وأنه لحق سليمان بن داود وهذا حديث خرافة لأن بينهما ألوف من السنين وموريدس وميساوس وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي استاذه اسقليبيوس وهو رأي التجربة إذا كان الطب إنما خرج له بالتجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه من الأهل إلى أن ظهر

 

غورس

هو الثاني من الأطباء الحذاق المشهورين الذين اسقليبيوس أولهم على ما ذكره يحيى النحوي وذلك أنه قال الأطباء المشهورون الذين كان يقتدى بهم في صناعة الطب من اليونانيين على ما تناهى إلينا ثمانية وهم أسقليبيوس الأول وغورس وميتس وبرمانيدس وإفلاطن الطبيب وأسقليبيوس الثاني وأبقراط وجالينوس وكانت مدة حياة غورس سبعاً وأربعين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة وعالم معلِّم ثلاثين سنة وكان منذ وقت وفاة أسقليبيوس الأول إلى وقت ظهور غورس ثمانمائة وخمسين سنة‏.‏

وكان في هذه الفترة بين أسقليبيوس وبين غورس من الأطباء المذكورين سورندوس ومانيوس وساوثاوس ومسيساندس وسقوريدس الأول وسيقلوس وسمرياس وانطيماخس وقلغيموس وأغانيس وأيرقلس وأسطورس الطبيب‏.‏

ولما ظهر غورس نظر في رأي التجربة وقواه وخلف من التلاميذ من بين ولد وقريب سبعة وهم مرقس وجورجيس ومالسطس وفولس وماهالس وأراسطواطس الأول وسقريروس وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي أستاذه وهو رأي التجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء إلى من علموه من ولد وقريب إلى أن ظهر‏.‏

مينس ومينس هو الثالث من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته أربعاً وثمانين سنة منها صبي ومتعلم أربعاً وستين سنة وعالم معلِّم عشرين سنة وكان منذ وقت وفاة غورس إلى ظهور مينس خمسمائة وستين سنة وكان في هذه الفترة التي بين غورس ومينس من الأطباء المذكورين أبيقورس وسقوريدوس الثاني وأخطيفون وأسقوريس وراوس واسفقلس وموطيمس وأفلاطن الأول الطبيب وإبرقاط الزول ابن غنوسيديقوس ولما ظهر مينس نظر في مقالات من تقدم فإذا التجربة خطأ عنده فضم إليها القياس وقال لا يجب أن تكون تجربة بلا قياس لأنها تكون خطراً ولما توفي خلف من التلاميذ أربعة وهم قطرطس وأمينس وسورانس ومثيناوس القديم ورأي هؤلاء القياس والتجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه وخلفوه إلى أن ظهر برمانيدس وبرمانيدس هو الرابع من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته أربعين سنة منها صبي ومتعلم خمساً وعشرين سنة وكامل معلِّم خمس عشرة سنة وكان منذ وقت وفاة مينس إلى ظهور برمانيدس سبعمائة وخمس عشرة سنة وكان في هذه الفترة التي بين مينس وبرمانيدس من الأطباء المذكورين سمانس وغوانس و وأبيقورس وأسطفانس وأنيقولس وساوارس وحوراطيمس وفولوس وسوانيديقوس وساموس ولما ظهر برمانيدس قال إن التجربة وحدها كانت أو مع القياس خطر فأسقطها وأنتحل القياس وحده‏.‏

ولما توفي خلف من التلاميذ ثلاثة نفر وهم ثاسلس وأفرن وديوفيلس فوقع بينهم المنازعات والخلف وأنفصلوا ثلاث فرق فادّعى أفرن التجربة وحدها وادّعى ديوفيلس القياس وحده وادعى ثاسلس الحيل وذكر أن الطب إنما هو حيلة ولم تزل هذه الحال بينهم إلى أن ظهر‏.‏

 

أفلاطن الطبيب

وأفلاطن الطبيب هو الخامس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته ستين سنة منها صبي ومتعلم أربعين سنة وعالم علم عشرين سنة وكان منذ وقت وفاة برمانيدس إلى ظهور أفلاطن سبعمائة وخمس وثلاثون سنة وكان الأطباء المذكورون في هذه الفترة التي بين برمانيدس وأفلاطن الطبيب قد تقسموا ثلاثة أقسام أصحاب التجربة وهم أفرن الأقراغنطي وبنتخلس وأنقلس وفيلنبس وغافرطيمس والحسدروس وملسيس وأصحاب الحيل وهم ماناخس وماساوس وغوريانس وغرغوريس وقونيس ولما ظهر أفلاطن نظر في هذه المقالات وعلم أن التجربة وحدها رديئة وخطرة والقياس وحده لا يصح فانتحل الرأيين جميعاً قال يحيى النحوي وأن أفلاطون أحرق الكتب التي ألفها ثاسلس وأصحابه ومن انتحل رأياً واحداً من التجربة والقياس وترك الكتب القديمة التي فيها الرأيان جميعاً وأقول أن يحيى النحوي فيما ذكره من هذه الكتب وأنها قد ألفت فإن كان لها حقيقة فذلك ينافي قول من يرى أن صناعة الطب أول من دونها وأثبتها في الكتب أبقراط إذ كان هؤلاء الذين قد ألفوا هذه الكتب من قبل أبقراط بمدة طويلة ولما توفي أفلاطن خلف من تلاميذه من أولاده وأقربائه ستة وهم ميرونس وأفرده بالحكم على الأمراض وفورونوس وأفرده بالتدبير للأبدان وفوراس وأفرده بالفصد والكي وثافرورس وأفرده بعلاج الجراحات وسرجس وأفرده بعلاج العين وفانيس وأفرده بجبر العظام المكسورة وإصلاح المخلوعة ولم يزل الطب يجري أمره على سداد بين هؤلاء التلاميذ وبين من خلفوه إلى أن ظهر

 

أسقليبيوس الثاني

وأسقليبيوس الثاني هو السادس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته مائة وعشر سنين منها صبي ومتعلم خمس عشرة سنة وعالم ومعلم خمساً وتسعين سنة ومنها عطل خمس سنين وكان منذ وقت وفاة أفلاطن وإلى ظهور أسقليبيوس الثاني ألف وأربعمائة وعشرون سنة وكان في هذه الفترة التي بين أفلاطن وأسقليبيوس الثاني من الأطباء المذكورين ميلن الأقراغنطي وثامسيطوس الطبيب وأقذتينوس وفرديقلوس وأندروماخس القديم وهو أول من صنع الترياق وعاش أربعين سنة وإيراقليدس الأول وعاش ستين سنة وفلاغورس وعاش خمساً وثلاثين سنة وماخميس ونسطس وسيقورس وغالوس وما باطياس وأيرقلس الطبيب وعاش مائة سنة وماناطيس وفيثاغورس الطبيب وعاش سبعين سنة ومارينوس وعاش مائة سنة ولما ظهر أسقليبيوس الثاني نظر في الآراء القديمة فوجد أن الذي يجب أن يعتقده هو رأي إفلاطن فانتحله ثم توفي وخلف ثلاثة تلاميذ من أهل بيته لا غريب فيهم ولا طبيب سواهم وهم

 

أبقراط ابن إيراقليدس

وماغارينس وأرخس ولم تمض عدة أشهر حتى توفي ماغارينس ولحقه أرخس وبقي أبقراط وحيد دهره طبيباً كامل الفضائل تضرب به الأمثال الطبيب الفيلسوف إلى أن بلغ به الأمر إلى أن عبد وهو الذي قوى صناعة القياس والتجربة تقوية عظيمة عجيبة لا يتهيأ لطاعن أن يخلها ولا يهتكها وعلم الغرباء الطب وجعلهم شبيهاً بأولاده لما خاف على الطب أن يفنى ويبيد من العالم كما يتبين أمره في هذا الباب الذي يأتي‏.‏

 

الباب الرابع طبقات الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم صنَاعَة الطِّب

أبقراط ولنبتدئ أولاً بذكر شيء من أخبار أبقراط على حيالها وما كان عليه من التأييد الإلهي ونذكر بعد ذلك جملاً من أمر الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم هذه الصناعة وإن لم يكونوا من نسل أسقليبيوس فنقول أن أبقراط على ما تقدم ذكره وهو السابع من الأطباء الكبار المذكورين الذين أسقليبيوس أولهم وأبقراط هو من أشرف أهل بيته وأعلاهم نسباً وذلك على ما وجدته في بعض المواضع المنقولة من اليوناني أنه أبقراط بن أيراقليدس بن أبقراط بن غنوسيديقوس بن نبروس بن سوسطراطس بن ثاوذروس بن قلاوموطاداس بن قريساميس الملك فهو بالطبع الشريف الفاضل نسباً لأنه التاسع من قريساميس الملك والثامن عشر من أسقليبيوس والعشرون من زاوس وأمه فركسيثا بنت فيناريطي من بيت أيراقليس فهو من جنسين فاضلين لأن أباه من آل أسقليبيوس وأمه من آل أيراقليس وتعلم صناعة الطب من أبيه أيراقليدس ومن وكانت مدة حياة أبقراط خمساً وتسعين سنة منها صبي ومتعلم ست عشرة سنة وعالم معلم تسعاً وسبعين سنة وكان منذ وقت وفاة أسقليبيوس الثاني وإلى ظهور أبقراط سنتين ولما نظر أبقراط في صناعة الطب وخاف عليها أن تنقرض عندما رأى أنها قد بادت من أكثر المواضع التي كان أسقليبيوس الأول أسس فيها التعليم وذلك أن المواضع التي يتعلم فيها صناعة الطب كانت على ما ذكره جالينوس في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط ثلاثة أحدها بمدينة رودس والثاني بمدينة قنيدس والثالث بمدينة قو فأما التعليم الذي كان بمدينة رودس فإنه باد بسرعة لأنه لم يكن لأربابه وارث وأما الذي كان منه بمدينة قنيسدس فطفئ لأن الوارثين له كانوا نفراً يسيراً وأما الذي كان منه بمدينة قو وهي التي كان يسكنها أبقراط فثبت وبقي منه بقايا يسيرة لقلة الوارثين له فلما نظر أبقراط في صناعة الطب ووجدها قد كادت أن تبيد لقلة الأبناء المتوارثين لها من آل أسقليبيوس رأى أن يذيعها في جميع الأرض وينقلها إلى سائر الناس ويعلمها المستحقين لها حتى لا تبيد وقال أن الجود بالخير يجب أن يكون على كل أحد يستحقه قريباً كان أو بعيداَ واتخذ الغرباء وعلمهم هذه الصناعة الجليلة وعهد إليهم العهد الذي كتبه وأحلفهم بالأيمان المذكورة فيه أن لا يخالفوا ما شرطه عليهم وأن لا يعلمواهذا العلم أحداً إلا بعد أخذ هذا العهد عليه وقال أبو الحسن علي بن رضوان كانت صناعة الطب قبل أبقراط كنزاً وذخيرة يكنزها الآباء ويدّخرونها للأبناء وكانت في أهل بيت واحد منسوب إلى أسقليبيوس وهذا الاسم أعني أسقليبيوس إما أن يكون اسماً لملَك بعثه اللَّه فعلّم الناس الطب وأما أن يكون قوة للَّه عز وجل علمت الناس الطب وكيف صرفت الحال فهو أول من علم صناعة الطب ونسب المتعلم الأول إليه على عادة القدماء في تسمية المعلم أباً للمتعلم وتناسل من المتعلم الأول أهل هذا البيت المنسوبون إلى أسقليبيوس وكان ملوك اليونانيين والعظماء منهم ولم يكونوا يمكنوا غيرهم من تعليم صناعة الطب بل كانت الصناعة فيهم خاصة يعلم الرجل منهم ولده أو ولد ولده فقط وكان تعليمهم بالمخاطبة ولم يكونوا يدونوها في الكتب وما احتاجوا إلى تدوينه في الكتب دونوه بلغز حتى لا يفهمه أحد سواهم فيفسر ذلك اللغز الأبُ للابن وكان الطب في الملوك والزهاد فقط يقصدون به الإحسان إلى الناس من غير أجرة ولا شرط‏.‏

ولم يزل كذلك إلى أن نشأ أبقراط من أهل قو ودمقراط من أهل أبديراً وكانا متعاصرين فأما دمقراط فتزهد وترك تدبير مدينته وأما أبقراط فرأى أهل بيته قد اختلفوا في صناعة الطب وتخوف أن يكون ذلك سبباً لفساد الطب فعمد على أن دونه بإغماض في الكتب وكان له ولدان فاضلان وهما ثاسلس وذراقن وتلميذ فاضل وهو فولوبس فعلمهم هذه الصناعة وشعر أنها قد تخرج عن أهل أسقليبيوس إلى غيرهم فوضع عهداً استحلف فيه المتعلم لها على أن يكون لازماً للطهارة والفضيلة ثم وضع ناموساً عرَّف فيه من الذي ينبغي له أن يتعلم صناعة الطب ثم وضع وصية عرَّف فيها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه أقول وهذه نسخة العهد الذي وضعه أبقراط

 

قسم أبقراط

قال أبقراط إني أقسم باللَّه رب الحياة والموت وواهب الصحة وخالق الشفاء وكل علاج وأقسم بأسقليبيوس وأقسم بأولياء اللَّه من الرجال والنساء جميعاً وأشهدهم جميعاً على أني أفي بهذه اليمين وهذا الشرط وأرى أن المعلم لي هذه الصناعة بمنزلة آبائي وأواسيه في معاشي وإذا احتاج إلى مال واسيته وواصلته من مالي‏.‏

وأما الجنس المتناسل منه فأرى أنه مساو لأخوتي وأعلم هذه الصناعة إن احتاجوا إلى تعلمها بغير أجرة ولا شرط وأشرك أولادي وأولاد المعلم لي والتلاميذ الذين كتب عليهم الشرط أو حلفوا بالناموس الطبي في الوصايا والعلوم وسائر ما في الصناعة وأما غير هؤلاء فلا أفعل به ذلك وأقصد في جميع التدابير بقدر طاقتي منفعة المرضى وأما الأشياء التي تضر بهم وتدني منهم بالجور عليهم فامنع منها بحسب رأيي ولا أعطي إذا طلب مني دواء قتالاً ولا أشير أيضاً بمثل هذه المشورة وكذلك أيضاً لا أرى أن أدني من النسوة فرزجة تسقط الجنين وأحفط نفسي في تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة ولا أشق أيضاً عمن في مثانته حجارة ولكن أترك ذلك إلى من كانت حرفته هذا العمل وكل المنازل التي أدخلها إنما أدخل إليها لمنفعة المرضى وأنا بحال خارجة عن كل جور وظلم وفساد إراديّ مقصود إليه في سائر الأشياء وفي الجماع للنساء والرجال الأحرار منهم والعبيد وأما الأشياء التي أعاينها في أوقات علاج المرضى أو أسمعها في غير أوقات علاجهم في تصرف الناس من الأشياء التي لا يُنطق بها خارجاً فأمسك عنها وأرى أن أمثالها لا ينطق به فمن أكمل هذه اليمين ولم يفسد شيئاً كان له أن يكمل تدبيره وصناعته على أفضل الأحوال وأجملها وأن يحمده جميع الناس فيما يأتي من الزمان دائماً ومن تجاوز ذلك كان بضده ناموس الطب لأبقراط وهذه نسخة ناموس الطب لأبقراط قال أبقراط إن الطب أشرف الصنائع كلها إلا أن نقص فهم من ينتحلها صار سبباً لسلب الناس إياها لأنه لم يوجد لها في جميع المدن عيب غير جهل من يدعيها ممن ليس بأهل للتسمي بها إذ كانوا يُشبهون الأشباح التي يحضرها أصحاب الحكاية ليلهوا الناس لها فكما أنها صور لا حقيقة لها كذلك هؤلاء الأطباء بالاسم كثير وبالفعل قليل جداً وينبغي لمن أراد تعلم صناعة الطب أن يكون ذا طبيعة جيدة مؤاتية وحرص شديد ورغبة تامة وأفضل ذلك كله الطبيعة لأنها إذا كانت مؤاتية فينبغي أن يقبل على التعليم ولا يضجر لينطبع في فكره ويثمر ثماراً حسنة مثل ما يرى في نبات الأرض أما الطبيعة فمثل التربة وأما منفعة التعليم فمثل الزرع وأما تربية التعليم فمثل وقوع البزر في الأرض الجيدة فمتى قدمت العناية في صناعة الطب بما ذكرنا ثم صاروا إلى المدن لم يكونوا أطباء بالاسم بل بالفعل والعلم بالطب كنز جيد وذخيرة فاخرة لمن علمه مملوء سروراً سراً وجهراً والجهل به لمن انتحله صناعة سوء وذخيرة ردية عديم السرور و دائم الجزع والتهور والجزع دليل على الضعف والتهور دليل على قلة الخبر بالصناعة‏.‏

وصية أبقراط وهذه نسخة وصية أبقراط المعروفة بترتيب الطب قال أبقراط ينبغي أن يكون المتعلم للطب في جنسه حراً وفي طبعه جيداً حديث السن معتدل القامة متناسب الأعضاء جيد الفهم حسن الحديث صحيح الرأي عند المشورة عفيفاً شجاعاً غير محب للفضة مالكاً لنفسه عند الغضب ولا يكون تاركاً له في الغاية ولا يكون بليداً وينبغي أن يكون مشاركاً للعليل مشفقاً عليه حافظاً للأسرار لأن كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم وينبغي أن يكون محتملاً للشتيمة لأن قوماً من المبرسمين وأصحاب الوسواس السوداوي يقابلونا بذلك وينبغي لنا أن نحتملهم عليه ونعلم أنه ليس منهم وإن السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلاً مستوياً لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قصَّ أظافير يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه بيضاء نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلاً لأن ذلك دليل على الطيش ولا متباطئاً لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعا ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب فإنه هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره قال جالينوس في المقالة الثالثة من كتابه في أخلاق النفس إن أبقراط كان يعلم مع ما كان يعلم من الطب من أمر النجوم ما لم يكن يدانيه فيه أحد من أهل زمانه وكان يعلم أمر الأركان التي منها تركيب أبدان الحيوان وكون جميع الأجسام التي تقبل الكون والفساد وفسادها وهو أول من برهن ببراهين حقيقة هذه الأشياء التي ذكرنا وبرهن كيف يكون المرض والصحة في جميع الحيوان وفي النبات وهو الذي استنبط أجناس الأمراض وجهات مداواتها أقول فأما معالجة أبقراط ومداواته للأمراض فإنه أبداً كانت له العناية البالغة في نفع المرضى وفي مداواتهم ويقال أنه أول من جدّد البيمارستان واخترعه وأوجده وذلك أنه عمل بالقرب من داره في موضع من بستان كان له موضعاً مفرداً للمرضى وجعل فيه خدماً يقومون بمداواتهم وسماه أخسندوكين أي مجمع المرضى - وكذلك أيضاً معنى لفظة البيمارستان وهو فارسي وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى وستان هو الموضع أي موضع المرضى ولم يكن لأبقراط دأب على هذه الوتيرة في مدة حياته وطول بقائه إلا النظر في صناعة الطب وإيجاد قوانينها ومداواة المرضى وإيصال الراحة إليهم وإنقاذهم من عللهم وأمراضهم وقد ذكر كثيراً من قصص مرضى عالجهم في كتابه المعروف بأبيديميا وتفسير أبيديميا الأمراض الوافدة ولم يكن لأبقراط رغبة في خدمة أحد من الملوك لِطَلب الغِنى ولا في زيادة مال يفضل عن احتياجه الضروري وفي ذلك قال جالينوس إن أبقراط لم يجب أحد ملوك الفرس العظيم الشأن المعروف عند اليونانيين بأرطخششت - وهو أزدشير الفارسي جد دارا بن دارا - فإنه عرض في أيام هذا الملك للفرس وباء فوجه إلى عامله بمدينة فاوان أن يحمل إلى أبقراط مائة قنطار ذهباً ويحمله بكرامة عظيمة وإجلال وأن يكون هذا المال تقدمة له ويضمن له إقطاعاً بمثلها وكتب إلى ملك اليونانيين يستعين به على إخراجه إليه وضمن له مهادنة سبع سنين متى أخرج أبقرط إليه فلم يجب أبقراط إلى الخروج عن بلده إلى الفرس فلما ألح عليه ملك اليونانيين في الخروج قال له أبقراط لست أبدل الفضيلة بالمال ولما عالج بردقس الملك من أمراض مرضها لم يقم عنده دهره كله وانصرف إلى علاج المساكين والفقراء الذين كانوا في بلدته وفي مدن أخرى وإن صغرت ودار هو بنفسه جميع مدن اليونانيين حتى وضع لهم كتاباً في الأهوية والبلدان قال جالينوس ومن هذه حاله ليس إنما يستخف بالغني فقط بل بالخفض والدعة ويؤثر التعب والنصب عليها في جنب الفضيلة ومن بعض التواريخ القديمة أن أبقراط كان في زمن بهمن بن أزدشير وكان بهمن قد اعتل فأنفذ إلى أهل بلد أبقراط يستدعيه فامتنعوا من ذلك وقالوا إن أخرج أبقراط من مدينتنا خرجنا جميعاً وقتلنا دونه فرق لهم بهمن واقره عندهم وظهر أبقراط سنة ست وتسعين لبختنصر وهي سنة أربع عشرة للملك بهمن قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل ورأيت حكاية طريفة لأبقراط استحلينا ذكرها لندل بها على فضله وذلك أن أفليمون صاحب الفراسة كان يزعم في فراسته أنه يستدل بتركيب الإنسان على أخلاق نفسه فاجتمع تلاميذ أبقراط وقال بعضهم لبعض هل تعلمون في دهرنا أفضل من هذا المرء الفاضل فقالوا ما نعلم فقال بعضهم تعالوا نمتحن به أفليمون فيما يدعه من الفراسة فصوروا صورة أبقراط ثم نهضوا بها إلى أفليمون فقالوا له أيها الفاضل انظر هذا الشخص واحكم على أخلاق نفسه من تركيبه فنظر إليه وقرن أعضاءه بعضها ببعض ثم حكم فقال رجل يحب الزنا فقالوا له كذبت هذه صورة أبقراط الحكيم فقال لهم لا بد لعلمي أن يصدق فاسألوه فإن المرء لا يرضى بالكذب فرجعوا إلى أبقراط وأخبروه بالخبر وما صنعوا وما قال لهم أفليمون فقال أبقراط صدق أفليمون أحب الزنا ولكني أملك نفسي فهذا يدل على فضل أبقراط وملكه لنفسه ورياضته لها بالفضيلة أقول وقد تنسب هذه الحكاية إلى سقراط الفليسوف وتلامذته فأما تفسير اسم أبقراط فإن معناه ضابط الخيل وقيل معناه ماسك الصحة وقيل ماسك الأرواح وأصل اسمه باليونانية أيفوقراطيس ويقال هو بقراطيس وإنما العرب عادتها تخفيف الأسماء واختصار المعاني فخففت هذا الاسم فقالوا أبقراط وبقراط أيضاً وقد جرى ذلك كثيراً في الشعر ويقال أيضاً بالتاء أبقرات وبقرات وقال المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن أبقراط كان ربعة أبيض حسن الصورة أشهل العينين غليظ العظام ذا عصب معتدل اللحية أبيضها منحني الظهر عظيم الهامة بطيء الحركة إذا التفت التفت بكليته كثير الإطراق مصيب القول متأنياً في كلامه يكرر على السامع منه ونعلاه أبداً بين يديه إذا جلس وإن كلِّم أجاب وإن سُكت عنه سأل وإن جلس كان نظره إلى الأرض معه مداعبة كثير الصوم قليل الأكل بيده أبدا إما مبضع وإما مرود وقال حنين بن اسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء أنه كان منقوشاً على فص خاتم أبقراط المريض الذي يشتهي أرجى عندي من الصحيح الذي لا يشتهي شيئاً ويقال أن أبقراط مات بالفالج وأوصى أن يدفن معه درج من عاج لا يعلم ما فيه فلما اجتاز قيصر الملك بقبره رآه قبراً ذليلاً فأمر بتجديده لأنه كان من عادة الملوك أن يفتقدوا أحوال الحكماء في حياتهم وبعد وفاتهم لأنهم كانوا عندهم أجل الناس وأقربهم إليهم فأمر قيصر الملك بحفره فلما حفره لينظر إليه استخرج الدرج فوجد فيه الخمس والعشرين قضية في الموت التي لا يعلم العلة فيها لأنه حكم فيها بالموت إلى أوقات معينة وأيام معلومة وهي موجودة بالعربي ويقال أن جالينوس فسرها وهذا مما استبعده وإلا فلو كان ذلك حقاً ووجد تفسير جالينوس لنقل إلى العربي كما قد فعل ذلك بغيره من كتب أبقراط التي فسرها جالينوس فإنها نقلت بأسرها إلى العربي ومن ألفاظ أبقراط الحكيمة ونوادره المفردة في الطب قال أبقراط الطب قياس وتجربة وقال لو خلق الإنسان من طبيعة واحدة لما مرض أحد لأنه لم يكن هناك شيء يضادها فيمرض وقال العادة إذا قدمت صارت طبيعة ثانية والزجر والفأل حس نفساني وقال أحذق الناس بأحكام النجوم أعرفهم بطبائعها وآخذهم بالتشبيه وقال الإنسان ما دام في عالم الحس فلا بدمن أن يأخذ من الحس بنصيب قل أو كثر وقال كل مرض معروف السبب موجود الشفاء وقال إن الناس اغتذوا في حال الصحة بأغذية السباع فأمرضتهم فغذوناهم بأغذية الطير فصحوا وقال إنما نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل وقال لا تأكل حتى تَأكَل وقال يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تفزع إلى عادتها وقال الخمرة صديقة الجسم والتفاحة صديقة النفس وقيل له لِمَ أثورُ ما يكون البدن إذا شرب الإنسان الدواء قال لأن أشد ما يكون البيت غباراً إذا كنس وقال لا تشرب الدواء إلا وأنت محتاج إليه فإن شربته من غير حاجة ولم يجد داء يعمل فيه وجد صحة يعمل فيها فيحدث مرضاً وقال مَثَلُ المني في الظهر كمَثَل الماء في البئر إن نزفته فار وإن تركته غار‏.‏

وقال إن المجامع يقتدح من ماء الحياة وسئل في كم ينبغي للإنسان أن يجامع قال في كل سنة مرة قيل له فإن لم يقدر قال في كل شهر مرة قيل له فإن لم يقدر قال في كل أسبوع مرة قيل له فإن لم يقدر قال هي روحه أي وقت شاء يخرجها وقال أمهات لذات الدنيا أربع لذة الطعام ولذة الشراب ولذة الجماع ولذة السماع فاللذات الثلاث لا يتوصل إليها ولا إلى شيء منها إلا بتعب ومشقة ولها مضار إذا استكثر منها ولذة السماع قلّت أو كثرت صافية من التعب خالصة من النصب ومن كلامه قال إذا كان الغدر بالناس طباعاً كانت الثقة بكل أحد عجزاً وإذا كان الرزق مقسوماً كان الحرص باطلاً وقال قلة العيال أحد اليسارين وقال العافية ملك خفي لا يعرف قدرها إلا من عدمها وقيل له أي العيش خير فقال الأمن من الفقر خير من الغنى مع الخوف ورأى قوماً يدفنون امرأة فقال نعم الصهر صاهرك وحكي عنه أنه أقبل بالتعليم على حدث من تلامذته فعاتبه الشيوخ على تقديمه إياه عليهم فقال لهم ألا تعلموا ما السبب في تقديمه عليكم قالوا لا فقال لهم ما أعجب ما في الدنيا فقال أحدهم السماء والأفلاك والكواكب وقال آخر الأرض وما فيها من الحيوانات والنبات وقال آخر الإنسان وتركيبه ولم يزل كل واحد منهم يقول شيئاً وهو يقول لا فقال للصبي ما أعجب ما في الدنيا فقال أيها الحكيم إذا كان كل ما في الدنيا عجباً فلا عجب فقال الحكيم لأجل هذا قدمته لفطنته ومن كلامه قال محاربة الشهوة أيسر من معالجة العلة وقال التخلص من الأمراض الصعبة صناعة كبيرة ودخل على عليل فقال أنا والعلة وأنت ثلاثة فإن أعنتني عليها بالقبول مني لما تسمع صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والإثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه ولما حضرته الوفاة قال خذوا جامع العلم مني من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره ومن كلامه مما ذكره حنين بن اسحق في كتاب نوادر الفلاسفة أنه قال منزلة لطافة القلب في الأبدان كمنزلة النواظر في الأجفان وقال للقلب آفتان وهما الغم والهم فالغم يعرض منه النوم والهم يعرض منه السهر وذلك بأن الهم فيه فكر في الخوف بما سيكون فمنه يكون السهر والغم لا فكر فيه لأنه إنما يكون بما قد مضى وانقضى وقال القلب من دم جامد والغم يهيج الحرارة الغريزية فتلك الحرارة تذيب جامد الدم ولذلك كره الغم خوف العوارض المكروهة التي تهيج الحرارة وتحمي المزاج فيحل جامد الدم فينتقض التركيب وقال من صحب السلطان فلا يجزع من قوته كما لا يجزع الغواص من ملوحة البحر وقال من أحب لنفسه الحياة أماتها وقال العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما يبلغك قليله إلى كثير وقال إن المحبة قد تقع بين العاقلين من باب تشاكلهما في العقل ولا تقع بين الأحمقين من باب تشاكلهما في الحمق لأن العقل يجري على ترتيب فيجوز أن يتفق فيه اثنان على طريق واحد والحمق لا يجري على ترتيب فلا يجوز أن يقع به اتفاق بين اثنين ومن كلامه في العشق قال العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحرص فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السواء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء ومن طغيان السوداء فساد الفكر ومع فساد يكون الفدامة ونقصان العقل ورجاء ما لم يكن وتمني ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غماً وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحاً أو أسفاً وربما شهق شهقة فتختفي منها روحه أربعاً وعشرين ساعة فيظن أنه قد مات فيقبر وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه ويضم عليها القلب فلا تنفرج حتى يموت وربما ارتاح وتشوق للنظر ورأى من يحب فجأة فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه وزوال ذلك عمن هذه حاله بلطف من رب العالمين لا بتدبير من الآدميين وذلك أن المكروه العارض من سبب قائم منفرد بنفسه يتهيأ التلطف بإزالته بإزالة سببه فإذا وقع السببان وكل واحد منهما علة لصاحبه لم يكن إلى زوال واحد منهما سبيل وإذا كانت السوداء سبباً لاتصال الفكر وكان اتصال الفكر سبباً لاحتراق الدم والصفراء وميلهما إلى السوداء والسوداء كلما قويت قوت الفكر والفكر كلما قوي قوى السوداء فهذا الداء العياء الذي يعجز عن معالجته الأطباء ومن كلامه قال الجسد يعالج جملة من خمسة أضرب ما في الرأس بالغرغرة وما في المعدة بالقيء وما في البدن بإسهال البطن وما بين الجلدين بالعرق وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم وقال الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد والبلغم بيته المعدة وسلطانه في الصدر والسوداء بيتها الطحال وسلطانها في القلب والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس وقال التلميذ له ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم واصطناع المعروف إليهم ومن كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم للمبشر بن فاتك من كلام أبقراط أيضاً وآدابه قال استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وبترك الامتلاء عن الطعام والشراب وقال إن أنت فعلت ما ينبغي على ما ينبغي أن يُفعل فلم يكن ما ينبغي فلا تنتقل عما أنت عليه ما دام ما رأيته أول الأمر ثابتاً وقال الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع وقال أما العقلاء فيجب أن يسقوا الخمر وإما الحمقى فيجب أن يسقوا الخربق وقال ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم وقال اقنعوا بالقوت والغوا عنكم اللجاجة لتكون لكم قربى إلى اللَّه عز وجل لأن اللَّه سبحانه وتعالى غير محتاج إلى شيء فكلما احتجتم أكثر كنتم منه أبعد واهربوا من الشرور و ذروا المآتم واطلبوا من الخيرات الغايات وقال المالك للشيء هو المسلَّط عليه فمن أحب أن يكون حراً فلا يهو ما ليس له وليهرب منه وإلا صار له عبداً وقال ينبغي للمرء أن يكون في دنياه كالمدعو في الوليمة إذا أتته الكأس تناولها وإن جازته لم يرصدها ولم يقصد لطلبها وكذلك يفعل في الأهل والمال والولد وقال التلميذ له إن أحببت أن لا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك وسئل عن أشياء قبيحة فسكت عنها فقيل له لم لا تجيب عنها فقال جوابها السكوت عنها وقال الدنيا غير باقية فإذا أمكن الخير فاصطنعوه وإذا عدمتم ذلك فتحمدوا واتخذو من الذكر أحسنه وقال لولا العمل لم يطلب العلم ولولا العلم لم يطلب العمل ولأن ادع الحق جهلاً به أحبّ إليّ من أن أدعه زهداً فيه وقال لا ينبغي أن تكون علة صديقك وإن طالت آلم به من تعاهدك له وكان يقول العلم روح والعمل بدن والعلم أصل والعمل فرع والعلم والد والعمل مولود وكان العمل لمكان العلم ولم يكن العلم لمكان العمل وكان يقول العمل خادم العلم والعلم غاية والعلم رائد والعمل مرسل وقال إعطاء المريض بعض ما يشتهيه أنفع من أخذه بكل ما لا يشتهيه أقول وأبقراط هو أول من دون صناعة الطب وشهرها وأظهرها كما قلنا قبل وجعل أسلوبه في تأليف كتبه على ثلاث طرائق من طرق التعليم أحداها على سبيل اللغز والثانية على غاية الإيجاز والاختصار والثالثة على طريق التساهل والتبيين والذي انتهى إلينا ذكره ووجدناه من كتب أبقراط الصحيحة يكون نحو ثلاثين كتاباً والذي يدرس من كتبه لمن يقرأ صناعة الطب إذا كان درسه على أصل صحيح وترتيب جيد اثنا عشر كتاباً وهي المشهورة من سائر كتبه الأول - كتاب الأجنة وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى تتضمن القول في كون المني والمقالة الثانية تتضمن القول في تكون الجنين والمقالة الثالثة تتضمن القول في تكون الأعضاء‏.‏

الثاني - كتاب طبيعة الإنسان مقالتان وهو يتضمن القول في طبائع الأبدان ومماذا تركبت‏.‏

الثالث - كتاب الأهوية والمياه والبلدان وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى يعرف فيها كيف نتعرف أمزجة البلدان وما تُولد من الأمراض البلدية والمقالة الثانية يعرّف فيها كيف نتعرف أمزجة المياه المشروبة وفصول السنة وما تُولَد من الأمراض البلدية والمقالة الثالثة يعرف فيها الرابع - كتاب الفصول سبع مقالات وضمنه تعريف جمل الطب لتكون قوانين في نفس الطبيب يقف بها على ما يتلقاه من أعمال الطب وهو يحتوي على مجمل ما أودعه في سائر كتبه وهذا ظاهر لمن تأمل فصوله فإنها تنتظم جملاً وجوامع من كتابه تقدمة المعرفة وكتاب الأهوية والبلدان وكتاب الأمراض الحادة ونكتاً وعيوناً من كتابه المعنون بابيديما وتفسيره الأمراض الوافدة وفصولاً من كتابه في أوجاع النساء وغير ذلك من سائر كتبه الأخر‏.‏

الخامس - كتاب تقدمة المعرفة ثلاث مقالات وضمنه تعريف العلامات التي يقف بها الطبيب على أحوال مرض في الأزمان الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل وعرّف أنه إذا أَخبر بالماضي وثق به المريض فاستسلم له فتمكن بذلك من علاجه على ما توجبه الصناعة وإذا عرف الحاضر قابله بما ينبغي من الأدوية وغيرها وإذا عرف المستقبل استعد له بجميع ما قابله به قبل أن يهجم عليه بما لا يمهله في أن يتلقاه بما ينبغي‏.‏

السادس - كتاب الأمراض الحادة وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى تتضمن القول في تدبير الغذاء والاستفراغ في الأمراض الحادة والمقالة الثانية تتضمن المداواة بالتكميد والفصد وتركيب الأدوية المسهلة ونحو ذلك والمقالة الثالثة تتضمن القول في التدبير بالخمر وماء العسل والسكنجبين والماء البارد والاستحمام‏.‏

السابع - كتاب أوجاع النساء مقالتان ضمنه أولاً تعريف ما يعرض للمرأة من العلل بسبب احتباس الطمث ونزيفه ثم ذكر ما يعرض في وقت الحمل وبعده من الأسقام التي تعرض كثيراً‏.‏

الثامن - كتاب الأمراض الوافدة ويسمى إبيديما وهو سبع مقالات ضمنه تعريف الأمراض الوافدة وتدبيرها وعلاجها و وذكر أنها صنفان أحدهما مرض واحد فقط والآخر مرض قتال يسمى الموتان ليتلقى الطبيب كل واحد منهما بما ينبغي وذكر في هذا الكتاب تذاكير وجالينوس يقول إني وغيري من المفسرين نعلم أن المقالة الرابعة والخامسة والسابعة من هذا الكتاب مدلسة ليست من كلام أبقراط وبيَّن أن المقالة الأولى والثالثة فيهما القول في الأمراض الوافدة وإن المقالة الثانية والسادسة تذاكير أبقراط إما أن يكون أبقراط وضعها وإما أن يكون ولده أثبت لنفسه ما سمعه من أبيه على سبيل التذاكير ومن أجَلَّ ما بينه وقال جالينوس أطَّرح الناس النظر في المقالة الرابعة والخامسة والسابعة من هذا الكتاب فاندرست التاسع - كتاب الأخلاط وهو ثلاث مقالات ويتعرف من هذا الكتاب حال الأخلاط اعني كميتها وكيفتيها وتقدمة المعرفة بالأعراض اللاحقة بها والحيلة والتأني في علاج كل واحد منها العاشر - كتاب الغذاء وهو أربع مقالات ويستفاد من هذا الكتاب علل وأسباب مواد الأخلاط أعني علل الأغذية وأسبابها التي بها تزيد في البدن وتنميه وتخلف عليه بدل وما نحل منه الحادي عشر - كتاب قاطيطريون أي حانوت الطبيب وهو ثلاث مقالات ويستفاد من هذا الكتاب ما يحتاج إليه من أعمال الطب التي تختص بعمل اليدين دون غيرهما من الربط والشد والجبر والخياطة ورد الخلع والتنطيل والتكميد وجميع ما يحتاج إليه وقال جالينوس إن أبقراط بنى أمره على أن هذا الكتاب أول كتاب يقرأ من كتبه وكذلك ظن به جميع المفسرين وأنا واحد منهم وسماه الحانوت الذي يجلس فيه الطبيب لعلاج المرضى والأجود أن تجعل ترجمته كتاب الأشياء التي تعمل في حانوت الطبيب ولأبقراط أيضاً من الكتب وبعضها منحول إليه كتاب أوجاع العذارى كتاب في مواضع الجسد كتاب في القلب كتاب في نبات الأسنان كتاب في العين كتاب إلى بسلوس كتاب في سيلان الدم كتاب في النفخ كتاب في الحمى المحرقة كتاب في الغدد رسالة إلى ديمطريوس الملك ويعرف كتابه هذا بالمقال الشفي كتاب منافع الرطوبات كتاب الوصايا كتاب العهد ويعرف أيضاً بكتاب الإيمان وضعه أبقراط للمتعلمين ولمن يعلمونه أيضاً ليقتدوا به وأن لا يخالفوا ما شرطه عليهم فيه وأن ينفي بما ذكره الشنعة عليه في نقله هذه الصناعة من الوراثة إلى الأذاعة كتاب ناموس الطب كتاب الوصية المعروفة بترتيب الطب ذكر فيها ما يجب أن يكون الطبيب عليه من الشكل والزي والترتيب وغير ذلك كتاب الخلع كتاب جراحات الرأس كتاب اللحوم كتاب في تقدمة معرفة الأمراض الكائنة من تغير الهواء كتاب طبائع الحيوان كتاب علامات القضايا وهو الخمس والعشرون قضية الدالة على الموت كتاب علامات البُحران كتاب في حَبَل على حبل كتاب في المدخل إلى الطب كتاب في المولودين لسبعة أشهر كتاب في الجراح كتاب في الأسابيع كتاب في الجنون كتاب في البثور كتاب المولودين لثمانية أشهر كتاب في الفصد والحجامة كتاب في الأبطى رسالة في مسنونات أفلاطن على أرس كتاب في البول كتاب في الألوان كتاب إلى أنطيقن الملك في حفظ الصحة كتاب في الأمراض كتاب في الأحداث كتاب في المرض الأهلي - وذكر جالينوس في المقالة الأولى من شرح تقدمة المعرفة عن هذا الكتاب أن أبقراط يردّ فيه على من ظن أن اللَّه تبارك وتعالى يكون سبب مرض من الأمراض كتاب إلى أقطيغيوذس قيصر ملك الروم في قسمة الإنسان على مزاج السنة كتاب طب الوحي وهذا الكتاب ذكروا أنه يتضمن كل ما كان يقع في قلبه فيستعمله فيكون كما وقع له رسالة إلى أرطحششت الكبير ملك فارس لما عرض في أيامه للفرس الموتان رسالة إلى جماعة من أهل أبديرا مدينة ديمقراطيس الحكيم جواباً عن رسالتهم إليه لاستدعائه وحضوره لعلاج ديمقراطيس كتاب اختلاف الأزمنة وإصلاح الأغذية كتاب تركيب الإنسان كتاب في استخراج النصول كتاب تقدمة القول الأول كتاب تقدمة القول الثاني ولما توفي أبقراط خلف من الأولاد والتلاميذ من آل اسقليبيوس وغيرهم أربعة عشر أما أولاده فهم أربعة ثاسلوس ودراقن وابناهما أبقراط بن ثاسلوس بن أبقراط وأبقراط بن دراقن بن أبقراط فكل واحد من ولديه كان له ولد سماه أبقراط باسم جده وأما تلامذته من أهل بيته وغيرهم فهم عشرة لاون ماسرجس‏.‏

وميغانوس وقولويس هو أجلّ تلاميذه وخليفته من أهل بيته وأملانيسون واسطاث وساوري وغورس وسنبلقيوس وثاثالس هذا قول يحيى النحوي وقال غيره أن أبقراط كان له اثنا عشر تلميذاً لا يزيد عليهم إلا بعد الموت ولا يُنقص منهم وبقوا على تلك السنة حيناً في بلاد الروم في الرواق الذي كان يدرِّس فيه ووجدتُ ببعض المواضيع أن أبقراط كانت له ابنة تسمى مالانا أرسا وكان لها براعة في صناعة الطب ويقال أنها كانت أبرع من أخويها والأطباء المذكورون في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس خلا تلاميذ أبقراط في نفسه وأولاده فهم سنبلقيوس المفسر لكتب أبقراط وأنقيلاوس الأول الطبيب وأرسيسطراطس الثاني القياسي ولوقس وميلن الثاني وغالوس وميرتديطوس صاحب العقاقير وسقالس المفسر لكتب أبقراط ومانطلياس المفسر أيضاً لكتاب أبقراط وغولس الطارنطائي ومغنس الحمصي صاحب كتاب البول وعاش تسعين سنة واندروماخس القريب العهد وعاش تسعين سنة وأبراس الملقب بالبعيد وسناخس الأثيني صاحب الأدوية والصيدلة وروفس الكبير وكان من مدينة أفسس ولم يكن في زمانه أحد مثله في صناعة الطب وقد ذكره جالينوس في بعض كتبه وفضله ونقل عنه ولروفس من الكتب كتاب الماليخوليا مقالتان وهو من أجل كتبه وكتاب الأربعين مقالة كتاب تسمية أعضاء الإنسان مقالة في العلة التي يعرض معها الفزع من الماء مقالة في اليرقان والمرار مقالة في الأمراض التي تعرض في المفاصل مقالة في تنقيص اللحم كتاب تدبير من لا يحضره طبيب مقالتان مقالة في الذبحة كتاب طب أبقراط مقالة في استعمال الشراب مقالة في علاج اللواتي لا يحبلن مقالة في قضايا حفظ الصحة مقالة في الصرع مقالة في الحمى الربع مقالة في ذات الجنب وذات الرئة كتاب التدبير مقالتان كتاب الباه مقالة كتاب الطب مقالة في الأعمال التي تعمل في البيمارستانات مقالة في اللبن مقالة في الفواق مقالة في الإبكار مقالة في التين مقالة في تدبير المسافر مقالة في البخر مقالة في القيء مقالة في الأدوية القاتلة مقالة في أدوية علل الكِلى والمثانة مقالة في هل كثرة شرب الماء في الولائم نافع مقالة في الأورام الصلبة مقالة في الحفظ مقالة في علة ديونوسوس وهو القيح مقالة في الجراحات مقالة في تدبير الشيخوخة مقالة في وصايا الأطباء مقالة في الحقن مقالة في الولادة مقالة في الخلع مقالة في علاج احتباس الطمث مقالة في الأمراض المزمنة على رأي أبقراط مقالة في مراتب الأدوية مقالة فيما ينبغي للطبيب أن يسأل عنه العليل مقالة في تربية الأطفال مقالة في دوران الرأس مقالة في البول مقالة في العقار الذي يدعى سوساً مقالة في النزلة إلى الرئة مقالة في علل الكبد المزمنة مقالة في أن يعرض للرجال انقطاع التنفس مقالة في شرى المماليك مقالة في علاج صبي يصرع مقالة في تدبير الحبالى مقالة في التخمة مقالة في السذاب مقالة في العَرَق مقالة في إيلاوس مقالة في أبلمسيا وكان من الأطباء المذكورين أيضاً في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس أبولونيوس وأرشيجانس وله أيضاً كتب عدة في صناعة الطب ووجدت له من ذلك مما نقل إلى العربي كتاب اسقام الأرحام وعلاجها كتاب طبيعة الإنسان كتاب في النقرس ومن أولئك الأطباء أيضاً دباسقوريدس الأول المفسرلكتب أبقراط وطيماوس الفلسطيني المفسر لكتب أبقراط أيضاً ونباديطوس الملقب بموهبة اللَّه في المعجونات وميسياوس المعروف بالمقسم للطب ومارس الحيلي الملقب بثاسلس باسم ذلك الذي ذكرناه في أصحاب الحيل وذلك لأنه وقع إليه كتاب بعد إحراق كتب ثاسلس الأول من كتب الحيليين فانتحله وقال لا صناعة غير صناعة الحيل وهي صناعة الطب الصحيحة وأراد أن يفسد الناس ويخرجهم عن اعتقادهم للقياس والتجربة ووضع في الحيل من ذلك الكتاب كتباً كثيرة فلم تزل مع الأطباء فبعض يقبلها وبعض لا حتى ظهر جالينوس فناقضه عليها وأفسدها وأحرق ما وجد منها وأبطل هذه الصناعة الحيلية - واقريطن الملقب بالمزين وهو صاحب كتاب الزينة - وقد نقل جالينوس عنه أشياء من كتابه في كتاب الميامر - وأقاقيوس وجارمكسانس وأرثياثيوس وماريطوس وقاقولونس ومرقس وبرغالس وهرمس الطبيب ويولاس وحاحونا وحلمانس هؤلاء الإثنا عشر من الأطباء الذين أولهم أقريطن يعرفون بمعاضدة بعضهم لبعض وباتصال بعضهم ببعض في تأليف الأدوية لمنفعة الناس بالبروج الأثني عشر لأنها متصلة بعضها ببعض وفيلس الخلقدوني الملقب بالقادر - من قبل أنه كان يتجرأ على العلاجات الصعبة ويشفيها ويعلو عليها ويتقدر ولا يخطئ له علاج - وديمقراطيس الثاني وأفروسيس وأكسانقراطس وأفروديس وبطلميوس الطبيب وسقراطس الطبيب ومارقس الملقب بعاشق العلوم وسوروس وفوريس قادح العيون ونيادريطوس الملقب بالساهر وفرفوريوس التأليفي صاحب الكتب الكثيرة لأنه كان مع فلسفته مبرزاً في الطب بارعاً فيه قوياً فمن قِبَل ذلك يسميه بعض الناس الفيلسوف وبعضهم الطبيب ودياسقوريدس العين زربي صاحب النفس الزكية النافع للناس المنفعة الجليلة المتعرب المنصور السائح في البلاد المقتبس لعلوم الأدوية المفردة من البراري والجزائر والبحار المصور لها المجرب المعدد لمنافعها قبل المسألة من أفاعيلها حتى إذا صحت عنده بالتجربة فوجدها قد خرجت بالمسألة غير مختلفة من التجربة أثبت ذلك وصوره من مثله وهو رأس كل دواء مفرد وعنه أخذ جميع من جاء بعده ومنه ثقفوا على سائر ما يحتاجون إليه من الأدوية المفردة وطوبى لتلك النفس الطيبة التي شقيت بالتعب من محبتها لإيصال الخيرات إلى الناس كلهم وقال حنين بن اسحق إن دياسقوريدس كان اسمه عند قومه أزدش نياديش ومعناه بلغتهم الخارج عنا قال حنين وذلك أنه كان معتزلاً عن قومه متعلقاً بالجبال ومواضع النبات مقيما بها في كل الأزمنة لا يدخل إلى قومه في طاعة ولا مشورة ولا حكم فلما كان ذلك سماه قومه بهذا الاسم ومعنى ديسقوري باليونانية أشجار ودوس باليونانية اللَّه ومعناه أي ملهمه اللَّه للشجر والحشائش أقول ومما يؤيد أن دياسقوريدس كان متنقلاً في البلدان لمعرفة الحشائش والنظر إليها وفي منابتها قوله في صدر كتابه يخاطب الذي ألف الكتاب له وأما نحن فإنه كانت له كما علمت في الصغر شهوة لا تقدر في معرفة هيولى العلاج وتجولنا في ذلك بلداناً كثيرة وكان دهرنا كما قد علمت دهر من ليس له مقام في موضع واحد وكتاب دياسقوريدس هذا خمس مقالات ويوجد متصلاً به أيضاً مقالتان في سموم الحيوان تنسب إليه وأنها سادسة وسابعة وهذا ذكر أغراض مقالات كتاب دياسقوريدس المقالة الأولى تشتمل على ذكر أدويةعطرة الرائحة وأفاويه وأدهان وصموغ وأشحار كبار والمقالة الثانية تشتمل على ذكر الحيوانات ورطوبات الحيوان والحبوب والقطاني والبقول المأكولة والبقول الحريفة وأدوية حريفة والمقالة الثالثة تشتمل على ذكر أصول النبات وعلى نبات شوكي وعلى بزور وصموغ وعلى حشائش بازهرية المقالة الرابعة تشتمل على ذكر أدوية أكثرها حشائش باردة وعلى حشائش حارة مسهلة ومقيئة وعلى حشائش نافعة من السموم وهو ختام المقالة المقالة الخامسة تشتمل على ذكر الكرم وعلى أنواع الأشربة وعلى الأدوية المعدنية وجالينوس يقول عن هذا الكتاب إني تصفحت أربعة عشر مصحفاً في الأدوية المفردة لأقوام شتى فما رأيت فيها أتم من كتاب ديسقوريدس الذي من أهل عين زربة وكان من الأطباء المذكورين أيضاً في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس بلاديوس المفسر لكتب أبقراط وكلاوبطرة أمرأة طبيبة فارهة أخذ عنها جالينوس أدوية كثيرة وعلاجات شتى وخاصة ما كان من ذلك من أمور النساء واسقلبيادس وسورانوس الملقب بالذهبي وإيراقليس الطارنطي وأديمس الكحال الملقب بالملك ونساورس الفلسطيني غالس الحمصي وكسانوقراطس وقوطانس وديوجانس الطبيب الملقب بالفراني واسقليبيادس الثاني وبقراطيس الجوارشني ولاون الطرسوسي وأريوس الطرسوسي وقيمن الحراني وموسقوس الأثيني وأقليدس المعروف بالمهدي للضالين وإيراقليس المعروف بالهادي وبطروس وفروادس ومانطلياس الفاسد وثافراطس العين زربي وانطيباطوس المصيصي وخروسبس المعروف بالفتي وأريوس المعروف بالمضاد وفيلون الطرسوسي وفاسيوس المصري وطولس الاسكندراني وأولينس وسقورس الملقب بالمطاع وإنما لقب بذلك لأن الأدوية كانت تطاوعه فيما يستعملها وتامور الحراني وجميع هؤلاء الأطباء أصحاب أدوية مركبة أخذ جالينوس عنهم كتبه في الأدوية المركبة وعن الذين من قبلهم ممن سميناه أولاً مثل أيولس وأرشيجانس وغيرهما وكان قبل جالينوس أيضاً طرالينوس وهو الاسكندروس الطبيب وله من الكتب كتاب علل العين وعلاجها ثلاث مقالات كتاب البرسام كتاب الضبان والحيات التي تتولد في البطن والديدان وكان في ذلك الزمان أيضاً وما قبله جماعة من عظماء الفلاسفة وأكابرهم على ما ذكره اسحق بن حنين مثل فوثاغرس وديوفيلس وثاون وانبادقلس وأقليدس وسورى وطماتاوس وانكسيمانس وديمقراطيس وثاليس قال وكان الشعراء أيضاً في ذلك الوقت أموميرس وقاقلس ومارقس وتلاهم أيضاً من الفلاسفة زينون الكبير وزينون الصغير واقراطوس الملقب بالموسيقي ورامون المنطقي واغلوقن البنضيني وسقراط وأفلاطن وديمقراط وأرسطوطالس وثاوفرطس ابن اخته واذيمس وأفانس وخروسبس وديوجانس وقيلاطس وفيما طوس وسنبلقيوس وأرمينس معلم جالينوس وغلوقن والاسكندر الملك والاسكندر الإفروديسي وفرفوريوس الصوري وأيراقليدس الإفلاطوني وطاليوس الاسكندراني وموسي الاسكندراني ورودس الأفلاطوني واسطفانس المصري وسنجس ورمن ويتلو هؤلاء أيضاً من الفلاسفة ثامسطيوس وفرفوديس المصري ويحيى النحوي الاسكندراني وداريس وانقيلاوس المختصر لكتب أرسطوطاليس وامونيوس وفولوس وافروطوخس وأوديمس الاسكندراني وياغاث العين زربي وثياذوس الأثيني وأدى الطرسوسي وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب طبقات الأمم أن الفلاسفة اليونانيين من أرفع الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة لما ظهر منهم من الاعتناء الصحيح بفنون الحكمة من العلوم الرياضية والمنطقية والمعارف الطبيعية والإلهية والسياسات المنزلية والمدنية قال وأعظم هؤلاء الفلاسفة قدراً عند اليونانيين خمسة فأولهم زماناً بندقليس ثم فيثاغورس ثم سقراط ثم

 

أفلاطون ثم أرسطوطاليس ابن نيقوماخس أقول وسنذكر جملاً من أحوال هؤلاء الخمسة وغيرهم إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

22 بندقليس قال القاضي صاعد إن بندقليس كان في زمن داود النبي عليه السلام على ما ذكره العلماء بتواريخ الأمم وكان أخذ الحكمة من لقمان الحكيم بالشام ثمن انصرف إلى بلاد اليونانيين فتكلم في خلق العالم بأشياء يقدح ظاهرها في أمر المعاد فهجره لذلك بعضهم وطائفة من الباطنية تنتمي إلى حكمته وتزعم أن له رموزاً قلما يوقف عليها قال وكان محمد بن عبد اللَّه بن مرة الجبلي الباطني من أهل قرطبة كلفاً بفلسفته دؤوباً على دراستها قال وبندقليس أول من ذهب إلى الجمع بين معاني صفات اللَّه تعالى وأنها كلها تؤدي إلى شيء واحد وأنه وإن وصف بالعلم والجود والقدرة فليس هو ذا معان متميزة تختص بهذه الأسماء المختلفة بل الواحد بالحقيقة الذي لا يتكثر بوجه ما أصلا بخلاف سائر الموجودات فإن الوحدانيات العالمية معرضة للتكثير إما بإجزائها وإما بمعانيها وإما بنظائرها وذات الباري متعالية عن هذا كله قال وإلى هذا المذهب في الصفات ذهب أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف البصري‏.‏

ولبندقليس من الكتب كتاب فيما بعد الطبيعة كتاب الميامر‏.‏

22 فيثاغورس ويقال فوثاغوراس وفوثاغوريا وقال القاضي صاعد في كتاب طبقات الأمم أن فيثاغورس كان بعد بندقليس بزمان وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود عليهما السلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام وكان قد أخذ الهندسة قبلهم عن المصريين ثم رجع إلى بلاد اليونان وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة وعلم الدين واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم وأوقعها تحت النسب العددية وادعى أنه استفاد ذلك من مشكاة النبوة وله في نضد العالم وترتيبه على خواص العددومراتبه رموز عجيبة واغراض بعيدة وله في شأن المعاد مذاهب قارب فيها بندقليس من أن فوق عالم الطبيعة عالما روحانياً نورانياً لا يدرك العقل حسنه وبهاءه وإن الأنفس الزكية تشتاق إليه وإن كل إنسان أحسن تقويم نفسه بالتبري من العجب والتجبر والرياء والحس وغيرها من الشهوات الجسدية فقد صار أهلاً أن يلحق بالعالم الروحاني ويطلع على ما يشاء من جواهره من الحكمة الإلهية وإن الأشياء الملذذة للنفس تأتيه حينئذ أرسالاً كالألحان الموسيقية الآتية إلى حاسة السمع فلا يحتاج أن يتكلف لها طلباً ولفيثاغورس تآليف شريعة الارتماطيقي والموسيقي وغير ذلك هذا آخر قوله وذكر غيره عن الحكيم فيثاغورس أنه كان يرى السياحة واجتناب مماسة القاتل والمقتول وأنه أمر بتقديس الحواس وتعلُّم العمل بالعدل وجميع الفضائل والكف عن الخطايا والبحث عن العطية الأنسية ليعرف طبيعة كل شيء وأمر بالتحابب والتأدب بشرح العلوم العلوية ومجاهدة المعاصي وعصمة النفوس وتعلم الجهاد وإكثار الصيام والقعود على الكراسي والمواظبة على قراءة الكتب وأن يعلم الرجال الرجال وتعلم النساء والنساء وأمر بجودة النطق ومواعظ الملوك وكان يقول ببقاء النفس وكونها فيما بعد في ثواب أو عقابِ على رأي الحكماء الإلهيين ولما رأس الحكيم فيثاغورس على الهياكل وصار رئيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة وغير المعطشة أما الغذاء غير المجوع فكان يهيئه من بزر ميقونيون وسمسم وقشر أسقال مغسول غسلاً مستقصى حتى ينبأ قلبه وانتاريقون واسفودالن والفيطون وحمص وشعير من كل واحد جزء بالتحرير كان يسحقها ويعجنها بجنس من العسل يسمى أميطيو وأما غير المعطش فكان يهيئه من بزر القثاء وزبيب سمين منزوع العجم وزهر قوريون وبزر ملوخيا وبزر أسوفا وأندراخين ونوع من الخبز يدعى فيلطاموس ودقيق أواليس وكان يعجنها بعسل حابوق وذكر الحكيم أن هرقلس تعلم هاتين الصفتين من ديميطر وكان فيثاغورس قد ألزم نفسه عادة موزونة فلم يكن مرة صحيحاً ومرة سقيماً ولا كان مرة يسمن ومرة يهزل وكانت نفسه لطيفة جداً ولم يكن يفرح بإفراط ولا يحزن بإفراط ولا رآه أحد قط ضاحكاً ولا باكياً وكان يقدم أخوانه على نفسه ويحكى أنه أول من قال أن أموال الأخلاء مشاعة غير مقسومة وكان يحافظ على صحة الأصحاء ويبرئ المسقومي الأبدان وكان يبرئ النفوس الآلمة منها بالتكهن ومنها بالألحان الآلهية التي كان يحيي بها آلام البدن وكان يأمر بأداء الأمانة في الوديعة لا المال فقط والكلمة المستودعة المحقة وصدق الوعد وذكر فرفوريوس في المقالة الأولى من كتابه في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم حكايات عجيبة ظهرت عن فيثاغورس مما تكهن به ومن أخباره بمغيبات سمعت منه وشوهدت كما قاله كلمات حكمية وكان يرمز حكمته ويسترها فمن الغازه أنه كان يقول لا تعتد في الميزان أي اجتنب الإفراط ولا تحرك النار بالسكين لأنها قد حميت فيها مرة أي اجتنب الكلام المحرض عند الغضوب المغتاظ ولا تجلس على قفيز أي لا تعش في البطالة ولا تمر بغياض الليوث أي لا تقتد برأي المردة ولا تعمر الخطاطيف البيوت أي لا تقتد بأصحاب الطرمذه والبقبقة من الناس غير المالكين لألسنتهم وإن لا يلقى الحمل عن حامله لكن يعان على حمله أي لا يغفل أحد أعمال نفسه في الفضائل في الطاعات وأن لا تلبس تماثيل الملائكة على فصوص الخواتيم أي لا تجهر بديانتك وتدع أسرار العلوم الإلهية عند الجهال قال الأمير المبشر بن فاتك كان لفيثاغورس أب اسمه منيسارخوس من أهل صور وكان له أخوان اسم الأكبر منهما أونوسطوس والآخر طورينوس وكان اسم أمه بوثايس بنت رجل اسمه اجقايوس من سكان ساموس ولما غلب على صور ثلاث قبائل ليمنون ويمقرون وسقرون واستوطنوها وجلا أهلها منها جلا والد فيثاغورس فيمن جلا وسكن البحيرة وسافر منها إلى ساموس ملتمساً كسباً وأقام بها وصار فيها مكرماً ولما سافر منها إلى أنطاكيا أخذ فيثاغورس معه ليتفرج عليها لأنها كانت نزهة جداً كثيرة الخصب وذكروا أن فيثاغورس أنما عاد إليها فسكنها لما رأى من طيبها أول مرة ولما جلا منيسارخوس عن صور سكن ساموس ومعه أولاده أونوسطوس وطورينوس وفيثاغورس فتبنى أندروقلوس رئيس ساموس فيثاغورس وكفله لأنه كان أحدث الأخوة وأسلمه من صغره في تعليم الآداب واللغة والموسيقى فلما التحى وجه به إلى مدينة ميليطون وأسلمه إلى أناكسيماندوس الحكيم ليعلمه الهندسة والمساحة والنجوم فلما أحكم فيثاغورس هاتين الصناعتين أشتد حبه للعلوم والحكمة فسافر إلى بلدان شتى طالباً لذلك فورد على الكلدانيين والمصريين وغيرهم ورابط الكهنة وتعلم منهم الحكمة وحذق لغة المصريين بثلاثة أصناف من الخط خط العامة وخط الخاصة وهو خط الكهنة المختصر وخط الملوك وعندما كان في أراقليا كان مرابطاً لملكها ولما صار إلى بابل رابط رؤساء خلذايون ودرس على زارباطا فبصره بما يجب على الصديقين واسمعه سماع الكيان وعلمه أوائل الكلّ إيما هي فمن ذلك فضلت حكمة فيثاغورس وبه وُجد السبيل إلى هداية الأمم وردهم عن الخطايا لكثرة ما اقتنى من العلوم من كل أمة ومكان وورد على قاراقوديس الحكيم السرياني في بداية أمره في مدينة اسمها ديلون من سورية وخرج عنها قاراقوديس فسكن ساموس وكان قد عرض له مرض شديد حتى أن القمل كان ينتعش في جسمه فلما عظم به وساء مثواه حمله تلاميذه إلى أفسس ولما تزايد ذلك عليه رغب إلى أهل أفسس وأقسم عليهم أن يحولوه عن مدينتهم فأخرجوه إلى ماغانسيا وعنى تلاميذه بخدمته حتى مات فدفنوه وكتبوا قصته على قبره ورجع فيثاغورس إلى مدينة ساموس ودرس بعده على أرمودامانيطس الحكيم البهي المتأله المكنى بقراوفوليو بمدينة ساموس ولقي أيضاً بها أرمودامانيس الحكيم المكنى أفروقوليم فرابطه زماناً وكانت طرانة ساموس قد صارت لفولوقراطيس الأطرون واشتاق فيثاغورس إلى الاجتماع بالكهنة الذين بمصر فابتهل إلى فولوقراطيس أن يكون له على ذلك معيناً فكتب له إلى أماسيس ملك مصر كتاباً يخبره بما تاق إلىه فيثاغورس ويعلمه أنه صديق لأصدقائه ويسأله أن يجود عليه بالذي طلب وأن يتحنن عليه فأحسن أماسيس قبوله وكتب له إلى رؤساء الكهنة بما أراد فورد على أهل مدينة الشمس وهي المعروفة بزماننا بعين شمس بكتب ملكهم فقبلوه قبولاً كريهاً وأخذوا في امتحانه زماناً فلم يجدوا عليه نقصاً ولا تقصيراً فوجهوا به إلى كهنة منف كي يبالغوا في امتحانه فقبلوه قبولاً على كراهية واستقصوا امتحانه فلم يجدوا عليه معيباً ولا أصابوا له عثرة فبعثوا به إلى أهل دبوسبولس ليمتحنوه فلم يجدوا عليه طريقاً ولا إلى أدحاضه سبيلاً لعناية ملكهم به فعرضوا عليه فرائض صعبة مخالفة لفرائض اليونانيين كيما يمتنع من قبولَها فيدحضوه ويحرموه طلبه فقبل ذلك وقام به فاشتد أعجابهم منه وفشا بمصر ورعه حتى بلغ ذكره إلى أماسيس فأعطاه سلطاناً على الضحايا للرب تعالى وعلى سائر قرابينهم ولم يعط ذلك لغريب قط ثم مضى فيثاغورس من مصر راجعاً إلى بلده وبنى له بمدينة أيونية منزلاًَ للتعليم فكان أهل ساموس يأتون إليه ويأخذون من حكمته وأعدّ له خارجاً من تلك المدينة انطروناً جعله مجمعاً خاصاً لحكمته فكان يرابط فيه مع قليل من أصحابه أكثر أوقاته ولما أتت عليه أربعون سنة وتمادت طرانة فولوقراطيس وكان قد استخلفه عليهم حيناً طويلاً واستكفاه ففكر ورأى أنه لا يحسن بالمرء الحكيم المكث على لزوم الطرانة والسلطان فرحل إلى إيطالية وسار منها إلى قروطونيا ودخلها فرأى أهلها حسن منظره ومنطقه ونبله وسعة علمه وصحة سيرته مع كثرة يساره وتكامله في جميع خصاله واجتماع الفضائل كلها فيه فانقاد له أهل قروطونيا انقياد الطاعة العلمية فألزمهم عصمة القدماء وهدى نفوسهم ووعظهم بالصالحات وأمر الأراكنة أن يضعوا للأحداث كتب الآداب الحكمية وتعليمهم أياها فكان الرجال والنساء يجتمعون إليه ليسمعوا مواعظة وينتفعوا بحكمته فعظم مجده وكبر شأنه وصير كثيراً من أهل تلك المدينة مهرة بالعلوم وانتشر الخبر حتى أن عامة ملوك البربر وردوا عليه ليسمعوا حكمته ويستوعبوا من علمه ثم إن فيثاغورس جال في مدن إيطاليا وسيقليا وكان الجور والتمرد قد غلب عليهم فصاروا سمَّاعيه وصدِّيقيه من أهل طاورومانيون وغير ذلك فاستأصل الفتنة منهم ومن نسلهم إلى أحقاب كثيرة وكان منطقه طارداً لكل منكر ولما سمع حكمته ومواعظه سماخس اطرون قانطوربيا خرج من ملكه وخلف أمواله بعضها لأخيه وبعضها لأهل مدينته وذكر أن باندس الذي كان جنسه من فرمس وكان ملك فوثو وكان من ولد فيثاغورس وكان لفيثاغورس وهو باقروطونيا بنت بتول كانت تعلم عذارى المدينة شرائع الدين وفرائضه وسنته من حلاله وحرامه وكانت أيضاً زوجته تعلم سائر النساء ولما توفي فيثاغورس عمد ديميطوديوس المؤمن إلى منزل الحكيم فجعله هيكلاً لأهل قروطونيا وذكروا أن فيثاغورس كان على عهد كورس حدثاً وكان ملكه ثلاثين سنة‏.‏

وملك بعده ابنه قامبوسيس وفيثاغورس في الحياة وأن فيثاغورش لبث بساموس ستين سنة ثم سافر إلى إيطاليا ثم توجه منها إلى ماطايونطيون فمكث بها خمس سنين وتوفي وكان غذاؤه عسلاً وسمناً عشاؤه خبز قاخجرون وبقول نيئة ومطبوخة ولم يكن يأكل من اللحم إلا ما كان من أضحية كهونته مما كان يقرب للَّه تعالى فلما أن رأس على الهياكل وصار رئيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة غير المعطشة وكان إذا ورد عليه وارد ليسمع كلامه يكلمه على أحد وجهين إما بالاحتجاج والدراس وإما بالموعظة والمشورة فكان لتعليمه شكل ذو فنين وحضره سفر إلى بعض الأماكن فأراد أن يؤنس أصحابه بنفسه قبل فراقهم فاجتمعوا في بيت رجل يقال له ميلن فبينما هم في البيت مجتمعون إذ هجم عليهم رجل من أهل قروطونيا اسمه قولون وكان له شرف وحسب ومال عظيم وكان يستطيل بذلك على الناس ويتمرد عليهم ويغتر بالجور وكان قد دخل على فيثاغورس وجعل يمدح نفسه فزجره بين يدي جلسائه وأشار إليه باكتساب خلاص نفسه فاشتد غيظ قولون عليه فجمع أخلاءه وقذف فيثاغورس عندهم ونسبه إلى الكفر ووافقهم على قتله وأصحابه ولما هجم عليه قتل منهم أربعين إنساناً وهرب باقيهم فمنهم من أدرك وقتل ومنهم من أفلت واختفى ودامت السعاية بهم والطلب لهم وخافوا على فيثاغورس القتل فأفردوا له قوماً منهم واحتالوا له حتى أخرجوه من تلك المدينة بالليل ووجهوا معه بعضهم حتى أوصلوه إلى قاولونيا ومن هناك إلى لوقروس فانتهت الشناعة فيه إلى أهل هذه المدينة فوجهوا إليه مشايخ منهم فقالوا له أما أنت يا فيثاغورس فحكيم فيما نرى وأما الشناعة عنك فسمجة جداً لكنا لا نجد في نواميسنا ما يلزمك القتل ونحن متمسكون بشرائعنا فخذ منا ضيافتك ونفقة لطريقك وارحل عن بلدنا تسلم فرحل عنها إلى طارنطا ففاجأه هناك قوم من أهل قروطونيا فكادوا أن يخنقوه وأصحابه فرحل إلى ميطابونطيون وتكاثرت الهيوج في البلاد بسببه حتى صار يذكر ذلك أهل تلك البلاد سنيناً كثيرة ثم انحاز إلى هيكل الأسنان المسمى هيكل الموسن فتحصن فيه وأصحابه ولبث فيه أربعين يوماً لم يغتذ فضربوا الهيكل الذي كان فيه بالنار‏.‏

فلما أحس أصحابه بذلك عمدوا إليه فجعلوا في وسطهم وأحدقوا به ليقوه النار بأجسامهم فعندما امتدت النار في الهيكل واشتد لهبها غشي على الحكيم من ألم حرارتها ومن الخواء فسقط ميتاً ثم أن تلك الآفة عمتهم أجمعين فاحترقوا كلهم وكان ذلك سبب موته وذكروا أنه صنف مائتين وثمانين كتاباً وخلف من التلاميذ خلقاً كثيراً وكان نقش خاتمه شر لا يدوم خير من خير لا يدوم أي شر ينتظر زواله ألذ من خير ينتظر زواله وعلى منطقته الصمت سلامة من الندامة من آداب فيثاغورس ومواعظه نقلت ذلك من كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم للأمير محمود الدولة أبي الوفاء المبشر بن فاتك قال فيثاغورس كما أن بدء وجودنا وخلقنا من اللَّه سبحانه هكذا ينبغي أن تكون نفوسنا منصرفة إلى اللَّه تعالى وقال الفكرة للَّه خاصة فمحبتها متصلة بمحبة اللَّه تعالى ومن أحب اللَّه سبحانه عمل بمحابه ومن عمل بمحابه قرب منه ومن قرب منه نجا وفاز وقال ليس الضحايا والقرابين كرامات اللَّه تعالى ذكره لكن الاعتقاد الذي يليق به هو الذي يكتفي به في تكرمته وقال الأقوال الكثيرة في اللَه سبحانه علامة تقصير الإنسان عن معرفته وقال ما أنفع للإنسان أن يتكلم بالأشياء الجليلة النفيسة فإن لم يمكنه فليسمع قائلها وقال احذر أن تركب قبيحاً من الأمر لا في خلوة ولا مع غيرك وليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من كل أحد وقال ليكن قصدك بالمال في اكتسابه من حلال وانفاقه في مثله وقال إذا سمعت كذباً فهون على نفسك الصبر عليه وقال لا ينبغي لك أن تهمل أمر صحة بدنك لكن ينبغي القصد في الطعام والشراب والنكاح والرياضة وقال لا تكن متلافاً بمنزلة من لا خبرة له بقدر ما في يده ولا تكن شحيحاً فتخرج عن الحرية بل الأفضل في الأمور كلها هو القصد فيها وقال كن متيقظاً في آرائك أيام حياتك فإن سبات الرأي مشارك للموت في الجنس وقال ما لا ينبغي أن تفعله احذر أن تخطره ببالك وقال لا تدنس لسانك بالقذف ولا تصغ بأذنيك إلى مثل ذلك وقال عسر على الإنسان أن يكون حراً وهو ينصاع للأفعال القبيحة الجارية مجرى العادة وقال ليس ينبغي للإنسان أن يلتمس القنية العالية والأبنية المشيدة لأنها من بعد موته تنتقي على حدود طباعها ويتصرف غيره فيها لكن يطلب من القنية ما ينفعه بعد المفارقة والتصرف فيها وقال الأشكال المزخرفة والأمور المموهة في أقصر الزمان تتبهرج وقال اعتقد أن أس مخافة اللَّه سبحانه الرحمة وقال متى التمست فعلاً من الأفعال فابدأ إلى ربك بالابتهال في النجح فيه وقال الإنسان الذي اختبرته بالتجربة فوجدته لا يصلح أن يكون صديقاً وخلاً احذر من أن تجعله لك عدواً وقال ما أحسن بالإنسان أن لا يخطئ وإن أخطأ فما أكثر انتفاعه بأن يكون عالماً بأنه أخطأ ويحرص في أن لا يعاود وقال الأخلق بالإنسان أن يفعل ما ينبغي لا ما يشتهي وقال ينبغي أن يعرف الوقت الذي يحسن فيه الكلام‏.‏

والوقت الذي يحسن فيه السكوت وقال الحر هو الذي لا يضيع حرفاً من حروف النفس لشهوة من شهوات الطبيعة وقال بقدر ما تطلب تعلم وبقدر ما تعلم تطلب وقال ليس من شرائط الحكيم أن لا يضجر ولكن يضجر بوزن وقال ليس الحكيم من حمل عليه بقدر ما يطيق فصبر واحتمل ولكن الحكيم من حمل عليه أكثر مما تحتمل الطبيعة فصبر وقال الدنيا دول مرة لك وأخرى عليك و فإن توليت فأحسن وإن تولوك فَلِن وكان يقول إن أكثر الآفات إنما تعرض للحيوانات لعدمها الكلام وتعرض للإنسان من قبل الكلام وكان يقول من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به المكروه كما ينزل بغيره العجلة واللجاجة والعجب والتواني فثمرة العجلة الندامة وثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجب البغضاء وثمرة التواني الذلة ونظر إلى رجل عليه ثياب فاخرة يتكلم فيلحن في كلامه فقال له إما أن تتكلم بكلام يشبه لباسك أو تلبس لباساً يشبه كلامك وقال لتلاميذه لا تطلبوا من الأشياء ما يكون بحسب محبتكم ولكن أحبوا من الأشياء ما هي محبوبة في أنفسها وقال اصبر على النوائب أذا أتتك من غير أن تتذمر بل اطلب مداواتها بقدر ما تطيق وقال استعملوا الفكر قبل العمل وقال كثرة العدو تقلل الهدوء وكان فيثاغورس إذا جلس على كرسيه أوصى بهذه السبع الوصايا قوِّموا موازينكم واعترفوا أوزانها عدلوا الخط تصحبكم السلامة لا تشعلوا النار حيث ترون السكين تقطع عدلوا شهواتكم تديموا الصحة استعملوا العدل تحط بكم المحبة عاملوا الزمان كالولاة الذين يُستعملون عليكم ويُعزلون عنكم لا تترفوا أبدانكم وأنفسكم فتفقدوها في أوقات الشدائد إذ أوردت عليكم وذُكر المال عنده ومدح فقال وما حاجتي إلى ما يعطيه الحظ ويحفظه اللؤم ويهلكه السخاء وقال وقد نظر إلى شيخ يحب النظر في العلم ويستحي أن يُرى متعلماً يا هذا أتستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل منك في أوله وقال أنكى شيء لعدوك أن لا تريه أنك تتخذه عدواً وحضر امرأته الوفاة في أرض غربة فجعل أصحابه يتحزنون على موتها في أرض غربة فقال يا معشر الإخوان ليس بين الموت في الغربة والوطن فرق وذلك أن الطريق إلى الآخرة واحد من جميع النواحي وقيل له ما أحلى الأشياء فقال الذي يشتهي الإنسان وقال الرجل المحبوب عند اللّه تعالى الذي لا يذعن لأفكاره القبيحة ونقلت من كتاب فرفوريوس في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم قال وأما كتب فيثاغورس الحكيم التي انفرد بجمعها أرخوطس الفيلسوف الطارنطيني فتكون ثمانين كتاباً فأما التي اجتهد بكلية جهده في التقاطها وتأليفها وجمعها من جميع الكهول الذين كانوا من جنس فيثاغورث الفيلسوف وحزبه وورثة علومه رجل فرجل‏.‏

فتكون مئتي كتاب عدداً فمن انفرد بصفوة عقله وعزل منها الكتب الكذيبة المقولة على لسان الحكيم واسمه التي اختلقها أناس فجرة وهي كتاب المناجاة وكتاب وصف المهن السيئة وكتاب علم المخاريق وكتاب أحكام تصوير مجالس الخمور وكتاب تهيئة الطبول والصنوج والمعازف وكتاب الميامر الكهنوتية وكتاب بذر الزروع وكتاب الآلات وكتاب القصائد وكتاب تكوين العالم وكتاب الأيادي وكتاب المروءة وكتب أخرى كثيرة تشاكل هذه الكتب مما اختلق حديثاً فيسعد سعادة الأبد وقال وأما الرجال الأئمة الذين اختلقوا هذه الكتب الكاذبة التي ذكرناها فإنهم على ما أدت إلينا الروايات أرسطيبوس المحدث ونقوس الذي كان يكنى عين الناقص ورجل من أهل اقريطية يقال له قونيوس وماغيالوس وفوخجواقا مع آخرين أطغى منهم وكان الذي دعاهم إلى اختلاق هذه الكتب الكاذبة على لسان فيثاغورث الفيلسوف واسمه كي يقبلوا عند الأحداث بسببه فيكرموا أو يؤثروا ويواسوا فأما كتب الحكيم التي لا ريب فيها فهي مائتان وثمانون كتاباً وقد كانت منسية حتى جاء للكيان بقوم حكماء ذوي نية وورع فحصلوها وجمعوها وألفوها ولم تكن قبل ذلك مشهورة ببلدة لكنها كانت مخزونة في إيطاليا وقال فلوطرخس أن فيثاغورس أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم ومما يوجد لفيثاغورس من الكتب كتاب الإرثماطيقي كتاب الألواح كتاب في النوم واليقظة كتاب في كيفية النفس والجسد رسالة إلى متمرد صقلية الرسالة الذهبية وسميت بهذا الاسم لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب إعظاماً لها وإجلالاً وكان يواظب على دراستها وقراءتها في كل يوم رسالة إلى سقايس في استخراج المعاني رسالة في السياسة العقلية وقد تعاب هذه الرسالة بتفسير أمليخس رسالة إلى فيمدوسيوس‏.‏

قال القاضي صاعد في طبقات الأمم أن سقراط كان من تلاميذ فيثاغورس اقتصر من الفلسقة على العلوم الإلهية وأعرض عن ملاذ الدنيا ورفضها وأعلن بمخالفة اليونانيين في عبادتهم الأصنام وقابل رؤسائهم بالحجاج والأدلة الإلهية فثوروا العامة عليهم واضطروا ملكهم إلى قتله فاودعه الملك الحبس تحمداً إليهم ثم سقاه السم تفادياً من شرهم ومن آثاره مناظرات جرت له مع الملك محفوظة وله وصايا شريفة وآداب فاضلة وحكم مشهورة ومذاهب في الصفات قريبة من مذاهب فيثاغورس وبندقليس إلا أن له في شأن المعاد آراء ضعيفة بعيدة عن محض الفلسفة خارجة عن المذاهب المحققة وقال الأمير المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم معنى سقراطيس باليونانية المعتصم بالعدل وهو ابن سفرونسقس ومن ولده ومنشأه ومنبته بأثينية وخلف من الولد ثلاثة ذكور ولما ألزم التزويج على عاداتهم الجارية في إلزام الأفاضل بالتزويج ليبقى نسله بينهم طلب تزويجه المرأة السفيهة التي لم يكن في بلده أسلط منها ليعتاد جهلها والصبر على سوء خلقها ليقدر أن يحتمل جهل العامة والخاصة وبلغ من تعظيمه الحكمة مبلغاً أضر بمن بعده من محبي الحكمة لأنه كان من رأيه أن لا تستودع الحكمة الصحف والقراطيس تنزيهاً لها عن ذلك ويقول أن الحكمة طاهرة مقدسة غير فاسدة ولا دنسة فلا ينبغي لنا أن نستودعها إلا الأنفس الحية وننزهها عن الجلود الميتة ونصونها عن القلوب المتمردة ولم يصنف كتاباً ولا أملى على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس وإنما كان يلقنهم علمه تلقيناً لا غير وتعلم ذلك من استاذه طيماتاوس فإنه قال له في صباه لم لا تدعني أدوِّن ما أسمع منك من الحكمة فقال له ما أوثقك بجلود البهائم الميتة وأزهدك في الخواطر الحية هب أن إنساناً لقيك في طريق فسألك عن شيء من العلم هل كان يحسن أن تحيله على الرجوع إلى منزلك والنظر في كتبك فإن كان لا يَحْسُن فالزم الحفظ فلزمها سقراط وكان سقراط زاهداً في الدنيا قليل المبالاة بها وكان من رسوم ملوك اليونانيين إذا حاربوا أخرجوا حكماءهم معهم في أسفارهم فأخرج الملك سقراط معه في سفرة خرج فيها لبعض مهماته فكان سقراط يأوي في عسكر ذلك الملك إلى زير مكسور يسكن فيه من البرد وإذا طلعت الشمس خرج منه فجلس عليه يستدفئ بالشمس ولأجل ذلك سمي سقراط الحب فمر به الملك يوما وهو على ذلك الزير فوقف عليه وقال ما لنا لا نراك يا سقراط وما يمنعك من المصير إلينا فقال الشغل أيها الملك فقال بماذا قال بما يقيم الحياة قال فَصِر إلينا فإن هذا لك عندنا معد أبداً قال لو علمت أيها الملك أني أجد ذلك عندك لم أَدَعْه قال بلغني أنك تقول أن عبادة الأصنام ضارة قال لم أقل هكذا قال فكيف قلت قال إنما قلت أن عبادة الأصنام نافعة للملك ضارة لسقراط لأن الملك يصلح بها رعيته ويستخرج بها خراجه وسقراط يعلم أنها لا تضره ولا تنفعه إذ كان مقراً بأن له خالقاً يرزقه ويجزيه بما قدم من سيء أو حسن قال فهل لك من حاجة قال نعم تصرف عنان دابتك عني فقد سترتني جيوشك من ضوء الشمس قد دعا الملك بكسوة فاخرة من ديباج وغيره وبجوهر ودنانير كثيرة ليجيزه بذلك فقال له سقراط أيها الملك وعدت بما يقيم الحياة وبذلت ما يقيم الموت ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود والذي يحتاج إليه سقراط هو معه حيث توجه وكان سقراط يرمز في كلامه مثل ما كان يفعل فيثاغورس فمن كلامه المرموز قوله عندما فتشت عن علة الحياة ألفيت الموت وعندما وجدت الموت عرفت حينئذ كيف ينبغي لي أن أعيش أي إن الذي يريد أن يحيا حياة الهية ينبغي أن يميت جسمه من جميع الأفعال الحسيَّة على قدر القوّة التي منحها فإنه حينئذ يتهيأ له بأن يعيش حياة الحق وقال تكلم بالليل حيث لا يكون أعشاش الخفافيش أي ينبغي أن يكون كلامك عند خلوتك لنفسك إن تجمع فكرك وامنع نفسك أن تتطلع في شيء من أمور الهيولانيات وقال أسدد الخمس الكوى ليضيء مسكن العلة أي أغمض حواسك الخمس عن الجولان فيما لا يجدي لتضيء نفسك وقال املأ الوعاء طيباً أي أوع عقلك بياناً وفهماً وحكمة وقال أفرغ الحوض المثلث من القلال الفارغة أي أقص عن قلبك جميع الآلام العارضة في الثلاثة الأجناس من قوى النفس التي هي أصل جميع الشر وقال لا تأكل الأسود الذنب أي احذر الخطيئة وقال لا تتجاوز الميزان أي لا تتجاوز الحق وقال عند الممات لا تكن نملة أي في وقت أمانتك لنفسك لا تقن ذخائر الحس وقال ينبغي أن تعلم أنه ليس زمان من الأزمنة يفقد فيه زمان الربيع أي لا مانع لك في كل زمان من اكتساب الفضائل وقال افحص عن ثلاثة سبل فإذا لم تجدها فارض أن تنام لها نومة المستغرق أي افحص عن علم الأجسام وعلم ما لا جسم له وعلم الذي وإن كان لا جسم له فهو موجود مع الأجسام وما اعتاص منها عليك فارض بالإمساك عنه وقال ليست التسعة بأكمل من واحد أى العشرة هي عقد من العدد وهي أكثر من تسعة وإنما تكمل التسعة لتكون عشرة بالواحد وكذلك الفضائل التسع تتم وتكمل بخوف اللَّه عز وجل ومحبته ومراقبته وقال إقتن بالإثني عشر إثني عشر يعني بالإثني عشر عضواً التي بها يكتسب البر والإثم إكتسب الفضائل وهي العينان والأذنان والمنخران واللسان واليدان والرجلان والفرج وأيضاً بالإثني عشر شهراً اكتسب أنواع الأشياء المحمودة المنكملة للإنسان في تدبيره ومعرفته في هذا العالم وقال إزرع بالأسود واحصد بالأبيض أي إزرع بالبكاء واحصد بالسرور وقال لا تشيلن الإكليل وتهتكه أي للسنن الجميلة لا ترفضها لأنها تحوط جميع الأمم كحياطة الإكليل للرأس وكان أهل دهره لما سألوه عن عبادة الأصنام صدهم عنها وأبطلها ونهى الناس عن عبادتها وأمرهم بعبادة الإله الواحد الصمد البارئ الخالق للعالم بما فيه الحكيم القدير لا الحجر المنحوت الذي لا ينطق ولا يسمع ولا يحس بشيء من الآلات وحض الناس على البر وفعل الخيرات وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن الفواحش والمنكرات في ثقته من أهل زمانه ولم يقصد استكمال صواب التدابير لعلمه بأنهم لا يقبلون ذلك منة فلما علم الرؤساء في وقته من الكهنة والأراكنة ما رامه من دعوته وأن رأيه نفي الأصنام ورد الناس عن عبادتها شهدوا عليه بوجوب القتل وكان الموجبون عليه القتل قضاة أثينس الأحد عشر وسقي السم الذي يقال له قونيون لأن الملك لما أوجب القضاة عليه القتل ساءه ذلك ولم يمكنه مخالفتهم فقال له إختر أي قتلة شئت فقال له بالسمّ فأجابه إلى ذلك والذي أخر قتل سقراط شهوراً بعدما أوجبوه عليه منه إن المركب الذي كان يبعث به في كل سنة إلى هيكل أفولون ويحمل إليه ما يحمل عرض له حبس شديد لتعذر الرياح فأبطأ شهوراً وكانت من عادتهم أن لا يراق دم ولا غيره حتى يرجع المركب من الهيكل إلى أثينس وكان أصحابه يختلفون إليه في الحبس طول تلك المدة فدخلوا إليه يوماً فقال له أقريطون منهم أن المركب داخل غداً أو بعد غد وقد اجتهدنا في أن ندفع عنك مالاً إلى هؤلاء القوم وتخرج سراً فنصير إلى رومية فتقيم بها حيث لا سبيل لهم عليك فقال له قد تعلم أنه لا يبلغ ملكي أربعمائة درهم فقال له أقريطون لم أقل لك هذا القول على أنك تغرم شيئاً لأنا نعلم أنه ليس في وسعك ما سأل القوم ولكن في أموالنا سعة لذلك وأضعافه وأنفسنا طيبة بأدائه لنجاتك وأن لا نفجع بك قال له سقراط يا أقريطون هذا البلد الذي فعل بي ما فعل هو بلدي وبلد جنسي وقد نالني فيه من حبسي ما رأيت وأوجب علي فيه القتل ولم يوجب ذلك علي لأمر استحققته بل لمخالفتي الجور وطعني على الأفعال الجائرة وأهلها من كفرهم بالباري سبحانه وعبادتهم الأوثان من دونه والحال التي أوجب علي بها عندهم القتل هي معي حيث توجهت وأني لا أدع نصرة الحق والطعن على الباطل والمبطلين حيث كنت وأهل رومية أبعد مني رحماً من أهل مدينتي فهذا الأمر إذا كان باعثه على الحق ونصرة الحق حيث توجهت فغير مأمون علي هناك مثل الذي أنا فيه قال له أقريطون فتذكر ولدك وعيالك وما تخلف عليهم من الضيعة فقال له الذي يلحقهم برومية مثل ذلك إلا أنكم ههنا فهم أحرى أن لا يضيعوا معكم ولما كان اليوم الثالث بكر تلاميذه إليه على العادة وجاء قيم السجن ففتح الباب وجاء القضاة الأحد عشر فدخلوا إليه وأقاموا ملياً ثم خرجوا من عنده وقد أزالوا الحديد عن رجليه وخرج السجان إلى تلاميذه فأدخل بهم إليه فسلموا عليه وجلسوا عنده فنزل سقراط عن السرير وقعد على الأرض ثم كشف عن ساقيه فمسحهما وحكهما وقال ما أعجب فعل السياسة الإلهية حيث قرنت الأضداد بعضها ببعض فإنه لا يكاد أن تكون لذة إلا يتبعها ألم ولا ألم إلا يتبعه لذة وصار هذا القول سبباً لدوران الكلام بينهم فسأله سيمياس وفيدون عن شيء من الأفعال النفسية وكثرت المذاكرة بينهم حتى استوعب الكلام في النفس بالقول المتقن المستقصى وهو على ما كان يعهد عليه في حال سروره وبهجته ومرحه في بعض المواضع والجماعة يتعجبون من صرامته وشدة استهانته بالموت ولم ينكل عن تقصي الحق في موضعه ولم يترك شيئاً من أخلاقه وأحوال نفسه التي كان عليها في زمان أمنه من الموت وهم من الكمد والحزن لفراقه على حال عظيمة فقال له سيمياس إن في التقصي في السؤال عليك مع هذه الحال لثقلاً علينا شديداً وقبحاً في العشرة وإن الإمساك عن التقصي في البحث لحسرة غداً عظيمة مع ما نعدم في الأرض من وجود الفاتح لما نريد قال له سقراط يا سيمياس لا تدعن التقصي لشيء أردته فإن تقصيك لذلك هو الذي أُسر به وليس بين هذه الحال عندي وبين الحال الأخرى فرق في الحرص علي تقصي الحق فإنا وإن كنا نعدم أصحاباً ورفقاء أشرافاً محمودين فاضلين فإنا أيضاً إذ كنا معتقدين ومتيقنين للأقاويل التي لم تزل تسمع منا فإنا أيضاً نصير إلى إخوان أخر فاضلين أشراف محمودين منهم أسلاوس وأيارس وأرقيلس وجميع من سلف من ذوي الفضائل النفسانية ولما تصرم القول في النفس وبلغوا فيها الغرض الذي أراد وسألوه عن هيئة العالم وحركات الأفلاك وتركيب الأسطقسات فأجابهم عن جميعه ثم قص عليهم قصصاً كثيرة من العلوم الإلهية والأسرار الربانية ولما فرغ من ذلك قال أما الآن فأظنه قد حضر الوقت الذي ينبغي لنا أن نستحم فيه ونصلي ما أمكننا ولا نكلف أحداً أحمام الموتى فإن الإرماماني قد دعانا ونحن ماضون إلى زواس وأما أنتم فتنصرفون إلى أهاليكم ثم نهض ودخل بيتاً واستحم فيه وصلى وأطال اللبث والقوم يتذاكرون عظيم المصيبة بما نزل به وبهم من فقده وأنهم يفقدون فيه حكيماً عظيماً وأباً شفيقاً ويبقون بعده كاليتامى ثم خرج فدعا بولده ونسائه وكان له ابن كبير وابنان صغيران فودعهم ووصاهم وصرفهم فقال له أقريطون فما الذي تأمرنا أن نفعله في أهلك وولدك وغير ذلك من أمرك قال لست آمركم بشيء جديد بل هو الذي لم أزل آمركم به قديماً من الاجتهاد في إصلاح أنفسكم فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سررتموني وسررتم كل من هو مني بسبيل ثم سكت ملياً وسكتت الجماعة وأقبل خادم الأحد عشر قاضياً فقال له يا سقراط إنك جريء مع ما أراه منك وإنك لتعلم أني لست علة موتك وإن علة موتك القضاة الأحد عشر وأنا مأمور بذلك مضطر إليه وإنك أفضل من جميع من صار إلى هذا الموضع فاشرب الدواء بطيبة نفس واصبر على الاضطرار اللازم ثم ذرفت عيناه وانصرف فقال سقراط نفعل وليس أنت بملوم ثم سكت هنيهة والتفت إلى أقريطون فقال مر الرجل أن يأتيني بشربة موتي فقال للغلام أدع الرجل فدعاه فدخل ومعه الشربة منه فشربها فلما رأوه قد شربها غلبهم من البكاء والأسف ما لم يملكوا معه أنفسهم فعلت أصواتهم بالبكاء فأقبل عليهم سقراط يلومهم ويعظهم وقال إنما صرفنا النساء لئلا يكون منهن مثل هذا فأمسكوا استحياء منه وقصداً للطاعة له على مضض شديد منهم في فقد مثله وأخذ سقراط في المشي والتردد هنيهة ثم قال للخادم قد ثقلت رجلاي علي فقال له إستلق فاستلقى وجعل الغلام يجس قدميه ويغمزهما ويقول له هل تحس غمزي لهما قال لا ثم غمز غمزاً شديداً فقال له هل تحس فقال لا ثم غمز ساقيه وجعل يسأله ساعة بعد ساعة وهو يقول لا وأخذ يجمد أولاً فأولاً ويشتد برده حتى انتهى ذلك إلى حقويه فقال الخادم لنا إذا انتهى البرد إلى قلبه مضى فقال له أقريطون يا إمام الحكمة ما أرى عقولنا لا تبعد عن عقلك فاعهد لنا فقال عليكم بما أمرتكم به أولاً ثم مد يده إلى يد أقريطون فوضعها على خده فقال له مرني بما تحب فلم يجبه بشيء ثم شخص ببصره وقال أسلمت نفسي إلى قابض أنفس الحكماء ومات فأطبق أقريطون عينيه وشد لحييه ولم يكن أفلاطون حاضراً معهم لأنه كان مريضاً وذكر أن سقراط هلك عن اثني عشر ألف تلميذ وتلميذ تلميذ قال المبشر بن فاتك وكان سقراط رجلاً أبيض أشقر أزرق جيد العظام قبيح الوجه ضيق ما بين المنكبين بطيء الحركة سريع الجواب شعث اللحية غير طويل إذا سئل أطرق حيناً ثم يجيب بألفاظ مقنعة كثير التوحد قليل الأكل والشرب شديد التعبد يكثر ذكر الموت قليل الأسفار مجداً لرياضة بدنه خسيس الملبس مهيباً حسن المنطق لا يوجد فيه خلل مات بالسم وله مائة سنة وبضع سنين أقول ووجدت في كتاب إفلاطن المسمى احتجاج سقراط على أهل أثينية وهو يحكي قول سقراط بهذا اللفظ قال ما تمنيت مجلس الحكم قط قبل هذه المرة على أني قد بلغت من السن سبعين سنة وهذا الاحتجاج الذي كان بينه وبين أهل أثينية إنما كان قبل موته بمدة يسيرة ومن خط إسحاق بن حنين عاش سقراط قريباً مما عاش إفلاطن ومن خط إسحاق عاش أفلاطون ثمانين سنة وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكمة أنه كان منقوشاً على فص خاتم سقراط من غلب عقله هواه افتضح ومن آداب سقراط مما ذكره الأمير المبشر بن فاتك في كتابه قال سقراط عجباً لمن عرف فناء الدنيا كيف تلهيه عما ليس له فناء وقال النفوس أشكال فما تشاكل منها اتفق وما تضاد منها اختلف وقال إتفاق النفوس باتفاق هممها واختلافها باختلاف مرادها وقال النفس جامعة لكل شيء فمن عرف نفسه عرف كل شيء ومن جهل نفسه جهل كل شيء وقال من بخل على نفسه فهو على غيره أبخل ومن جاد على نفسه فذلك المرجو جوده وقال ما ضاع من عرف نفسه وما أضيع من جهل نفسه وقال النفس الخيرة مجتزئة بالقليل من الأدب والنفس الشريرة لا ينجع فيها كثير من الأدب لسوء مغرسها وقال لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف وقال ستة لا تفارقهم الكآبة الحقود والحسود وحديث عهد بغنى وغني يخاف الفقر وطالب رتبة يقصر قدره عنها وجليس أهل الأدب وليس منهم وقال من ملك سره خفي عن الناس أمره وقال خير من الخير من عمل به وشر من الشر من عمل به وقال العقول مواهب والعلوم مكاسب وقال لا تكون كاملاً حتى يأمنك عدوك فكيف بك إذا كنت لا يأمنك صديقك وقال إتقوا من تبغضه قلوبكم وقال الدنيا سجن لمن زهد فيها وجنة لمن أحبها وقال لكل شيء ثمرة وثمرة قلة القنية تعجيل الراحة وطيب النفس الزكية وقال الدنيا كنار مضرمة على محمجة فمن اقتبس منها ما يستضيء به في طريقه سلم من شرها ومن جلس ليحتكر منها أحرقته بحرها وقال من اهتم بالدنيا ضيع نفسه ومن اهتم بنفسه زهد في الدنيا وقال طالب الدنيا إن نال ما أمل تركه لغيره وإن لم ينل ما أمله مات بغصته وقال لا تردّن على ذي خطأ خطأه فإنه يستفيد منك علماً ويتخذك عدواً وقيل لسقراط ما رأيناك قط مغموماً فقال لأنه ليس لي شيء متى ضاع مني وعدمته اغتممت عليه وقال من أحب أن لا تفوته شهرته فليشته ما يمكنه وقال أثن على ذي المودة خيراً عند من لقيت فأن رأس المودة حسن الثناء كما أن رأس العداوة سوء الثناء وقال إذا وليت أمراً فأبعد عنك الأشرار فإن جميع عيوبهم منسوبة إليك وقال له رجل شريف الجنس وضيع الخلائق أما تأنف يا سقراط من خساسة جنسك فأجابه جنسك عندك أنثى وجنسي مني وقال خير الأمور أوسطها وقال إنما أهل الدنيا كصور في صحيفة كلما نشر بعضها طوي بعضها وقال الصبر يعين على كل عمل وقال من أسرع يوشك أن يكثر عثاره وقال إذا لم يكن عقل الرجل أغلب الأشياء عليه كان هلاكه في أغلب الأشياء عليه وقال لا يكون الحكيم حكيماً حتى يغلب شهوات الجسم وقال كن مع والديك كما تحب أن يكون بنوك معك وقال ينبغي للعاقل أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض وقال طالب الدنيا قصير العمر كثير الفكر وكان يقول القنية مخدومة ومن خدم غير ذاته فليس بحر وقيل له ما أقرب شيء فقال الأجل وما أبعد شيء فقال الأمل وما آنس شيء فقال الصاحب المؤاتي وما أوحش شيء قال الموت وقال من كان شريراً فالموت سبب راحة العالم من شره وقال إنما جعل للإنسان لسان واحد وأذنان ليكون ما يسمعه أكثر مما يتكلم به وقال الملك الأعظم هو الغالب لشهواته وقيل له أي الأشياء ألذ فقال إستفادة الأدب واستماع أخبار لم تكن سمعت وقال أنفس ما لزمه الأحداث الأدب وأول نفعه لهم أنه يقطعهم عن الأفعال الرديئة وقال أنفع ما اقتناه الإنسان الصديق المخلص وقال الصامت ينسب إلى العي ويسلم والمتكلم ينسب إلى الفضول ويندم وقال إستهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه وقيل له ما القنية المحمودة فقال ما ينمو على الاتفاق وقال المشكور من كتم سراً لمن يتكتمه وأما من استكتم سراً فذلك واجب عليه وقال أكتم سر غيرك كما تحب أن يكتم غيرك سرك وإذا ضاق صدرك بسرك فصدر غيرك به أضيق وقيل له لم صار العاقل يستشير فقال العلة في ذلك تجريد الرأي عن الهوى وإنما استشار تخوفاً من شوائب الهوى وقال من حسن خلقه طابت عيشته ودامت سلامته وتأكدت في النفوس محبته ومن ساء خلقه تنكدت عيشته ودامت بغضته ونفرت النفوس منه وقال حسن الخلق يغطي غيره من القبائح وسوء الخلقيقبح غيره‏.‏

نساء‏.‏

ونظر إلى صبية تتعلم الكتابة فقال لا تزيدوا الشر شراً وقال من أراد النجاة من مكائد الشيطان فلا يطيعن امرأة فإن النساء سلم منصوب ليس للشيطان حيلة إلا بالصعود عليه وقال لتلميذ له يا بني إن كان لا بد لك من النساء فاجعل لقاءك لهن كأكل الميتة لا تأكل منها إلا عند الضرورة فتأخذ منها بقدر ما يقيم الرمق فإن أخذ آخذ منها فوق الحاجة أسقمته وقتلته وقيل له ما تقول في النساء فقال هن كشجر الدفلى له رونق وبهاء فإذا أكله الغر قتله وقيل له كيف يجوز لك أن تذم النساء ولولاهن لم تكن أنت ولا أمثالك من الحكماء فقال إنما المرأة مثل النخلة ذات السلاع إن دخل في بدن إنسان عقره وحملها الرطب الجني‏.‏

وقال له أرشيجانس إن الكلام الذي كلمت به أهل المدينة لا يقبل فقال ليس يكربني أن يكون لا يقبل وإنما يكربني أن لا يكون صواباً وقال من لا يستحي فلا تخطره ببالك وقال لا يصدنك عن الإحسان جحود جاحد للنعمة وقال الجاهل من عثر بحجر مرتين وقال كفى بالتجارب تأديباً وبتقلب الأيام عظة وبأخلاق من عاشرت معرفة وقال اعلم أنك في أثر من مضى سائر وفي محل من فات مقيم وإلى العنصر الذي بدأت منه تعود‏.‏

وقال لأهل الاعتبار في صروف الدهر كفاية وكل يوم يأتي عليه منه علم جديد وقال بعوارض الآفات تكدر النعم على المنتمين وقال من قل همه على ما فاته استراحت نفسه وصفاً ذهنه وقال من لم يشكر على ما أنعم به عليه أوشك أن لا تزيد نعمته وقال رب متحرز من الشيء تكون منه آفته‏.‏

وقال داووا الغضب بالصمت وقال الذكر الصالح خير من المال فإن المال ينفد والذكر يبقى والحكمة غنى لا يعدم ولا يضمحل وقال استحب الفقر مع الحلال عن الغنى مع الحرام وقال أفضل السيرة طيب المكسب وتقدير الإنفاق وقال من يجرب يزدد علماً ومن يؤمن يزدد يقيناً ومن يستيقن يعمل جاهداً ومن يحرص على العمل يزدد قوة ومن يكسل يزدد فترة ومن يتردد يزدد شكاً‏.‏

وإن لسقراط بيتاً وزن بالعربية إنما الدنيا وإن ومقر خطرة من لحظ ملتفت وقال ما كان في نفسك فلا تبده لكل أحد فما أقبح أن تخفي الناس أمتعتهم في البيوت ويظهرون ما في قلوبهم قال لولا أن في قولي أنني لا أعلم إخباراً إني أعلم لقلت إني لا أعلم وقال القنية ينبوع الأحزان فلا تقتنوا الأحزان وكان يقول قللوا القنية تقل مصائبكم‏.‏

وينسب إلى سقراط من الكتب رسالة إلى إخوانه في المقايسة بين السنة والفلسفة كتاب معاتبة النفس مقالة في السياسة وقيل إن رسالته في السيرة الجميلة هي صحيح له‏.‏

 

أفلاطون

يقال فلاطن وأفلاطن وأفلاطون قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل في كتابه أفلاطن الحكيم من أهل مدينة أثينيا رومي فيلسوف يوناني طبي عالم بالهندسة وطبائع الأعداد وله في الطب كتاب بعثه إلى طيماوس تلميذه وله في الفلسفة كتب وأشعار وله في التأليف كلام لم يسبقه أحد إليه استنبط به صنعة الديباج وهو الكلام المنسوب إلى الخمس النسب التأليفية التي لا سبيل إلى وجود غيرها في جميع الموجودات المؤتلفات فلما أحاط علماً بطبائع الأعداد ومعرفة الخمس النسب التأليفية استشرف إلى علم العالم كله وعرف موانع الأجزاء المؤتلفات الممتزجات باختلاف ألوانها وأصباغها وائتلافها على قدر النسبة فوصل بذلك إلى علم تصوير فوضع أول حركة جامعة لجميع الحركات ثم صنفها بالنسبة العددية ووضع الأجزاء المؤتلفة على ذلك فصار إلى علم تصوير التصويرات فقامت له صناعة الديباج وصناعة كل مؤتلف به وألف في ذلك كتابا‏.‏

وله في الفلسفة كلام عجيب وهو ممن وضع لأهل زمانه سنناً وحدوداً وله كتاب السياسة في ذلك وكتاب النواميس وكان في دولة دارايطو وهو والد دارا الذي قتله الإسكندر فكان بعد أبقراط في دولة والد الإسكندر فيليبس وكانت الفرس يومئذ تملك الروم واليونانيين وقال المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم معنى أفلاطون وتفسيره في لغتهم العميم الواسع وكان اسم أبيه أرسطن وكان أبواه من أشراف اليونانيين من ولد أسقليبيوس جميعاً وكانت أمه خاصة من نسل سولون صاحب الشرائع‏.‏

وكان قد أخذ في أول أمره في تعلم علم الشعر واللغة فبلغ في ذلك مبلغاً عظيماً إلى أن حضر يوماً سقراطيس وهو يثلب صناعة الشعر فأعجبه ما سمع منه وزهد فيما كان عنده منه ولزم سقراط وسمع منه خمس سنين ثم مات سقراط فبلغه أن بمصر قوماً من أصحاب فيثاغورس فسار إليهم حتى أخذ عنهم وكان يميل في الحكمة قبل أن يصحب سقراط إلى رأي أيرقليطس ولما صحب سقراط زهد في مذهب إيرقليطس وكان يتبعه في الأشياء المحسوسة وكان يتبع فيثاغورس في الأشياء المعقولة وكان يتبع سقراطيس في أمور التدبير ثم رجع أفلاطن من مصر إلى أثينية ونصب فيها بيتي حكمة وعلم الناس فيها ثم سار إلى سيقليا فجرت له قصة مع ديونوسيوس المتغلب الذي كان بها وبلي منه بأشياء صعبة ثم تخلص منه وعاد إلى أثينية فسار فيهم أحسن سيرة وأرضى الجميع وأعان الضعفاء وراموه أن يتولى تدبير أمورهم فامتنع لأنه وجدهم على تدبير غير التدبير الذي يراه صواباً وقد اعتادوه وتمكن من نفوسهم فعلم أنه لا يمكنه نقلهم عنه وأنه لو رام نقلهم عما هم عليه لكان يهلك كما هلك أستاذه سقراط على أن سقراط لم يكن قد رام استكمال صواب التدبير‏.‏

وبلغ أفلاطون من العمر إحدى وثمانين سنة وكان حسن الأخلاق كريم الأفعال كثير الإحسان إلى كل ذي قرابة منه وإلى الغرباء متئداً حليما صبوراً وكان له تلاميذ كثيرة وتولى التدريس بعده رجلان أحدهما بأثينية في الموضع المعروف بأقاديميا وهو كسانو قراطيس والآخر بلوقين من عمل أثينية أيضاً وهو أرسطوطاليس‏.‏

وكان يرمز حكمته ويسترها ويتكلم بها ملغوزة حتى لا يظهر مقصده لذوي الحكمة وكان درسه وتعلمه على طيماوس وسقراطيس وعنهما أخذ أكثر آرائه‏.‏

وصنف كتباً كثيرة منها ما بلغنا اسمه ستة وخمسون كتاباً وفيها كتب كبار يكون فيها عدة مقالات وكتبه يتصل بعضها ببعض أربعة أربعة يجمعها غرض واحد ويخص كل واحد منها غرض خاص يشتمل عليه ذلك الغرض العام ويسمى كل واحد منها رابوعاً وكل رابوع منها يتصل بالرابوع الذي قبله وكان رجلاً أسمر اللون معتدل القامة حسن الصورة تام التخاطيط حسن اللحية قليل شعر العارضين ساكتاً خافضاً أشهل العينين براق بياضهما في ذقنه الأسفل خال أسود تام الباع لطيف الكلمة محباً للفلوات والصحارى والوحدة وكان يستدل في الحال الأكثر على موضعه بصوت بكائه ويسمع منه على نحو ميلين في الفيافي والصحارى ومن خط إسحاق بن حنين عاش أفلاطون ثمانين سنة وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان

 

مواعظ إفلاطون

ومن آداب أفلاطون ومواعظه مما ذكره المبشر بن فاتك رحمه اللَّه في كتابه قال إفلاطون للعادة على كل شيء سلطان وقال إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه وقال من لا يواس الإخوان عند دولته خذلوه عند فاقته‏.‏

وقيل له لم لا تجتمع الحكمة والمال فقال لعز الكمال وسئل من أحق الناس إن يؤتمن على تدبير المدينة فقال من كان في تدبير نفسه حسن المذهب‏.‏

وقيل له من يسلم من سائر العيوب وقبيح الأفعال فقال من جعل عقله أمينه وحذره وزيره والمواعظ زمامه والصبر قائده والاعتصام بالتوقي ظهيره وخوف اللَّه جليسه وذكر الموسوعة أنيسه‏.‏

وقال المَلِكُ هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار فإن كان عذباً عذبت وإن كان مالحاً ملحت‏.‏

وقال إذا أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوف الملتذ أبداً بل دع فيه فضله تدوم لك اللذة وقال إياك في وقت الحرب أن تستعمل النجدة وتدع العقل فإن للعقل مواقف قد تتم بلا حاجة إلى النجدة ولا ترى للنجدة غنى عن العقل وقال غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه وقال وقال لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم وقال لا تطلب سرعة العمل واطلب تجريده فإن الناس لا يسألون في كم فرغ من هذا العمل وإنما يسألون عن جودة صنعه‏.‏

وقال إحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة وإحسانك إلى الخسيس يحركه على معاودة المسألة وقال الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح منه وقال لا تستصغر عدوك فيقتحم عليك المكروه من زيادة مقداره على تقديرك فيه وقال ليس تكمل خيريَّة الرجل حتى يكون صديقاً للمتعاديين وقال اطلب في الحياة العلم والمال تحز الرئاسة على الناس لأنهم بين خاص وعام فالخاصة تفضلك بما تحسن والعامة تفضلك بما تملك‏.‏

وقال من جمع إلى شرف أصله شرف نفسه فقد قضى الحق عليه واستدعى التفضيل بالحجة ومن أغفل نفسه واعتمد على شرف آبائه فقد عقهم واستحق أن لا يقدَّم بهم على غيره وقال لا تبتاعن مملوكاً قوي الشهوة فإنه له مولى غيرك ولا غضوباً فإنه يقلق في ملكك ولا قوي الرأي فيستعمل الحيلة عليك‏.‏

وقال استعمل مع فرط النصيحة ما تستعمله الخونة من حسن المداراة ولا تدخل عليك العجب لفضلك على أكفائك فيفسد عليك ثمرة ما فضلت به‏.‏

وقال لا تنظر إلى أحد بالموضع الذي رتّبه فيه زمانه وانظر إليه بقيمته في الحقيقة فإنها مكانه الطبيعي‏.‏

وقال إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت ونفقت الرذائل ونفعت وكان خوف الموسر أشد من خوف المُعسر‏.‏

وقال لا يزال الجائر ممهلاً حتى يتخطى إلى أركان العمارة ومباني الشريعة وإذا أقصد لها تحرك عليه قيِّم العالم فأباده وقال إذا طابق الكلام نية المتكلم حرك نية السامع و وإن خالفها لم يحسن موقعه ممن أريد به وقال أفضل الملوك من بقي بالعدل ذكره واستملى من أتي بعده بفضائله‏.‏

وقال رجل جاهل لأفلاطون كيف قدرت على كثرة ما تعلمت فقال لأني أفنيت من الزيت بمقدار ما أفنيته أنت من الشراب وقال عين المحب عمياء عن عيوب المحبوب‏.‏

وقال إذا خاطبت من هو أعلم منك فجرد له المعاني ولا تكلف بإطالة اللفظ ولا تحسينه وإذا خاطبت من هو دونك في المعرفة فأبسط كلامك ليلحق في أواخره ما أعجزه في أوائله وقال الحلم لا ينسب إلا إلى من قدر على السطوة والزهد لا ينسب إلا إلى من ترك بعد القدرة وقال العزيز النفس هو الذي يذل للفاقة وقال الحسن الخلق من صبر على السيئ الخلق وقال أشرف الناس من شرفته الفضائل لا من تشرف بالفضائل وذلك أن من كانت الفضائل فيه جوهرية وقال الحياء إذا توسط أوقف الإنسان عما عابه وإذا أفرط أوقفه عما يحتاج إليه وإذا قصر خلع عنه ثوب التجمل في كثير من أحواله‏.‏

وقال إذا حصل عدولك في قدرتك خرج من جملة أعدائك ودخل في عدة حشمك وقال ينبغي للمرء أن ينظر وجهه في المرآة فإن كان حسناً استقبح أن يضيف إليه فعلاً قبيحاً وإن كان قبيحاً استقبح أن يجمع بين قبحين‏.‏

وقال لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شراً وأنت لا تدري‏.‏

وقال إذا قامت حجتك في المناظرة على كريم أكرمك ووقرك وإذا قامت على خسيس عاداك واصطنعها عليك‏.‏

وقال من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك‏.‏

وقال إنما صار التقليد واجباً في العالم لأن الضعف فيه قائم في الناس‏.‏

وقال من تعلم العلم لفضيلته لم يوحشه كساده ومن تعلمه لجدواه انصرف بانصراف الحظ عن أهله إلى ما يكسبه‏.‏

وقال ليكن خوفك من تدبيرك على عدوك أكثر من خوفك من تدبير عدوك عليك‏.‏

وقال شهوات الناس تتحرك بحسب شهوات الملك وإرادته‏.‏

وقال ما معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم وقال الأمل خداع الناس وقال احفظ الناموس يحفظك وقال إذا صادقت رجلاً وجب أن تكون صديق صديقه وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه‏.‏

وقال المشورة تريك طبع المستشار وقال ينبغي للعاقل أن لا يتكسب إلا بأزيد ما فيه ولا يخدم إلا المقارب له في خلقه‏.‏

وقال أكثر الفضائل مرّةُ المبادي حلوةُ العواقب وأثر الرذائل حلوة المبادي مرة العواقب‏.‏

وقال لا تستكثرن عن عشرة حملة عيوب الناس فإنهم يتسقطون ما غفلت عنه وينقلونه إلى غيرك كما ينقلون عنه إليك‏.‏

وقال الظفر شافع المذنبين إلى الكرماء‏.‏

وقال ينبغي للحازم أن يعد للأمر الذي يلتمسه كل ما أوجبه الرأي في طلبه ولا يتكل فيه على الأسباب الخارجة عن سعية مما يدعو إليه الأمل وما جرت به العادة فإنها ليست له وإنما هي للإتفاق الذي لا تثق به الحزمة‏.‏

وقيل لأفلاطون لم صار الرجل يقتني مالاً وهو شيخ فقال لأن يموت الإنسان فيخلف مالاً لأعدائه خير له من أن يحتاج في حياته إلى أصدقائه ورأى طبيباً جاهلاً فقال هذا محب مزعج للموت وقال الإفراط في النصيحة يهجم بصاحبها على كثير من الظنة وقال ليس ينبغي للرجل أن يشغل قلبه بما ذهب منه ولكن يعتني بحفظ ما بقي عليه‏.‏

وسأله أرسطوطاليس بماذا يعرف الحكيم أنه قد صار حكيماً فقال إذا لم يكن بما يصيب من الرأي معجباً ولا لما يأتي من الأمر متكلفاً ولم يستفزه عند الذم الغضب ولا يدخله عند المرح النخوة وسئل مم ينبغي أن يحترس فقال من العدو القادر والصديق المكدر والمسلط الغاضب وسئل أي شيء أنفع للإنسان فقال أن يعنى بتقويم نفسه أكثر من عنايته بتقويم غيره وقال الشرير العالم يسره الطعن على من تقدمه من العلماء ويسوؤه بقاء من في عصره منهم لأنه يحب أن لا يعرف بالعلم غيره لأن الأغلب عليه شهوة الرئاسة والخيِّر العالم يسوؤه فقد أحد من طبقته في المعرفة لأن رغبته في الازدياد وإحياء علمه بالذاكرة أكثر من رغبته في الرئاسة والغلبة وقال تبكيت الرجل بالذنب بعد العفو عنه إزراء بالصنيعة وإنما يكون قبل هبة الجرم له وقال اطلب في حياتك العلم والمال والعمل الصالح فإن الخاصة تفضلك بما تحسن والعامة بما تملك والجميع بما تعمل‏.‏

وسئل أفلاطون عند موته عن الدنيا فقال خرجت إليها مضطراً وعشت فيها متحيراً وها أنا أخرج منها كارهاً ولم أعلم فيها إلا أنني لم أعلم‏.‏

ولأفلاطن من الكتب كتاب احتجاج سقراط على أهل أثينية كتاب فأذن في النفس كتاب السياسة المدنية كتاب طيماوس الروحاني في ترتيب العوالم الثلاثة العقلية التي هي عالم الربوبية وعالم العقل وعالم النفس كتاب طيماوس الطبيعي أربع مقالات في تركيب عالم الطبيعة - كتب بهذين الكتابين إلى تلميذ له يسمى طيماوس وغرض فلاطن في كتابه هذا أن يصف جميع العلم الطبيعي‏.‏

أقول وذكر جالينوس في المقالة الثامنة من كتابه من آراء أبقراط وفلاطن أن كتاب طيماوس قد شرحه كثير من المفسرين وأطنبوا في ذلك حتى جاوزوا المقدار الذي ينبغي ما خلا الأقاويل الطبيعية التي فيه فإنه قل من رام شرحها ومن رام شرحها أيضاً لم يحسن فيما كتب فيها ولجالينوس كتاب ينقسم إلى أربع مقالات فسر فيه ما في كتاب طيماوس من علم الطب كتاب الأقوال الأفلاطونية كتاب أونفرن كتاب أقريطن كتاب قراطلس كتاب ثاطيطس كتاب سوفسطس كتاب فوليطيقوس كتاب برمينيدس كتاب فلبس كتاب سمبوسين كتاب القيبيادس الأول كتاب القيبيادس الثاني كتاب أبرخس كتاب أرسطا في الفلسفة كتاب ثاجيس في الفلسفة كتاب أوثوديموس كتاب لاخس في الشجاعة كتاب لوسيس كتاب فروطاغورس كتاب غورجياس كتاب مانون كتابان مسميان أبيا كتاب أين كتاب منكسانس كتاب فليطفون كتاب الفلسفي كتاب أقريطياس كتاب مينس كتاب أفينومس كتاب النواميس اثنا عشر كتاباً في الفلسفة كتاب فيما ينبغي كتاب في الأشياء العالية كتاب خرميدس في العفة كتاب فدروس كتاب المناسبات كتاب التوحيد كتاب في النفس والعقل والجوهر والغرض كتاب الحس واللذة مقالة كتاب تأديب الأحداث ووصاياهم كتاب معاتبة النفس كتاب أصول الهندسة‏.‏

 

أرسطوطاليس

هو أرسطوطاليس بن نيقوماخس الجراسني الفيثاغوري وتفسير نيقوماخس قاهر الخصم وتفسير أرسطوطاليس تام الفضيلة حكي ذلك أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي كان نيقوماخس فيثاغوري المذهب وله تأليف مشهور في الأرثماطيقي قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل في كتابه عن أرسطوطاليس أنه كان فيلسوف الروم وعالمها وجهبذها ونحريرها وخطيبها وطبيبها قال وكان أوحد في الطب وغلب عليه علم الفلسفة‏.‏

وقال بطليموس في كتابه إلى غلس في سيرة أرسطوطاليس وخبره ووصيته وفهرست كتبه المشهورة إنه كان أصل أرسطوطاليس من المدينة التي تسمى أسطاغيرا وهي من البلاد التي يقال لها خلقيديق مما يلي بلاد تراقية بالقرب من أولنش وماثوني وكان اسم أمه أفسطيا قال وكان نيقوماخس أبو أرسطوطاليس طبيب أمنطس أبي فيلبس وفيلبس هذا هو أبو الاسكندر الملك وكان نيقوماخس يرجع في نسبه إلى إسقليبيوس وكان إسقليبيوس هذا أبا ماخاون وماخاون أبو إسقليبيوس وكان أصل أمه أفسطيا يرجع في النسبة أيضاً إلى إسقليبيوس ويقال أنه لما توفي نيقوماخس أبوه أسلمه برقسانس وكيل أبيه وهو حدث لأفلاطن وقال بعض الناس إن إسلام أرسطوطاليس إلى أفلاطن إنما كان بوحي من اللَّه تعالى في هيكل بوثيون‏.‏

وقال بعضهم بل إنما كان ذلك لصداقة كانت بين برقسانس وبين فلاطن ويقال أنه لبث في التعليم عن أفلاطن عشرين سنة وأنه لما عاد أفلاطن إلى سقلية في المرة الثانية كان أرسطوطاليس خليفته على دار التعليم المسماة أقاديميا وأنه لما قدم أفلاطن من سقلية انتقل أرسطوطاليس إلى لوقيون واتخذ هناك دار التعليم المنسوبة إلى الفلاسفة المشائين ثم لما توفي فلاطن سار إلى أرمياس الخادم الوالي على أترنوس ثم لما مات هذا الخادم رجع إلى أثينس وهي التي تعرف بمدينة الحكماء فأرسل إليه فيلبس فسار إلى مقدونيا فلبث بها يعلم إلى أن تجاوز الاسكندر بلاد أسيا ثم استخلف في مقدونيا قلسثانس ورجع إلى أثينا وأقام في لوقيون عشر سنين ثم أن رجلاً من الكهنة الذين يسمون الكمريين يقال له أوروماذن أراد السعاية بأرسطوطاليس ونسبه إلى الكفر وأنه لا يعظم الأصنام التي كانت تعبد في ذلك الوقت بسبب ضغن كان في نفسه عليه وقد قص أرسطوطاليس هذه القصة في كتابه إلى أنطيطوس - فلما أحس أرسطوطاليس بذلك شخص عن أثينا إلى بلاده وهي خلقيديق لأنه كره أن يبتلى أهل أثنية من أمره بمثل الذي ابتلوا في أمر سقراطيس معلم أفلاطن حتى قتلوه وكان شخوصه من غير أن يكون أحداً اجترأ به إلى أي شخص على قبول كتاب الكمري وقرفه أو أن يناله بمكروه وليس ما يحكى عن أرسطوطاليس من الاعتذار من قرف الكمري إياه بحق ولكن شيء موضوع على لسانه ولما صار أرسطوطاليس إلى بلاده أقام بها بقية عمره إلى أن توفي وهو ابن ثمان وستين سنة‏.‏

قال وقد يستدل بما ذكرنا من حالاته على بطلان قول من يزعم أنه إنما نظر في الفلسفة بعد أن أتت عليه ثلاثون سنة وأنه إنما كان إلى هذا الوقت يلي سياسة المدن لعنايته التي كانت بإصلاح أمر المدن‏.‏

ويقال أن أهل أسطاغيرا نقلوا بدنه من الموضع الذي توفي فيه إليهم وصيروه في الموضع المسمى الأرسطوطاليسي وصيروا مجتمعهم للمشاورة في جلائل الأمور وما يحزنهم في ذلك الموضع وكان أرسطوطاليس هو الذي وضع سنن أسطاغيرا لأهلها وكان جليل القدر في الناس ودلائل ذلك بينة من كرامات الملوك الذين كانوا في عصره له فأما ما كان عليه من الرغبة في اصطناع المعروف والعناية بالإحسان إلى الناس فذلك بين من رسائله وكتبه وما يقف عليه الناظر فيها من كثرة توسطه للأمور فيما بين ملوك دهره وبين العوام فيما يصلح به أمورهم ويجتلب به المنافع إليهم ولكثرة ما عقد من المنن والإحسان في هذا الباب صار أهل أثينية إلى أن اجتمعوا وتعاقدوا على أن كتبوا كتاباً نقشوه في عمود من الحجارة وصيروه على البرج العالي الذي في المدينة وذكروا فيما كتبوا على ذلك العمود أن أرسطوطاليس بن نيقوخامس الذي من أهل أسطاغيرا قد استحق بما كان عليه من اصطناع المعروف وكثرة الأيادي والمنن وما يخص به أهل أثينية من ذلك ومن قيامه عند فيليبس الملك بما أصلح شأنهم وبلغ به الإحسان إليهم أن يتبين صناعة أهل أثينية عليه بجميل ما أتى من ذلك ويقروا له بالفضل والرئاسة ويوجبوا له الحفظ والحياطة وأهل الرئاسات فيهم هو نفسه وعقبه من بعده والقيام لهم بكل ما التمسوه من حوائجهم وأمورهم‏.‏

وقد كان رجل من أهل أثينية يقال له إيماراوس بعد اجتماع أهل أثينية على ما اجتمعوا عليه من هذا الكتاب شذ عن جماعتهم وقال بخلاف قولهم في أمر أرسطوطاليس ووثب إلى العمود الذي كان قد اجتمع أهل أثينية على أن كتبوا فيه ما كتبوا من الثناء ونصبوه في الموضع الذي يسمى أعلى المدينة فرمى به عن موضعه فظفر به بعد أن صنع ما صنع أنطينوس فقتله ثم أن رجلاً من أهل أثينية يسمي أصفانوس وجماعة معه عمدوا إلى عمود حجارة فكتبوا فيه من الثناء على أرسطوطاليس شبيهاً بما كان على العمود الأول وأثبتوا مع ذلك ذكر إيماراوس الذي رمى بالعمود وفعله ما فعل وأوجبوا لعنه والبراءة منه‏.‏

وما أن مات فيلبس وملك الاسكندر بعده وشخص عن بلاده لمحاربة الأمم وحاز بلاد آسيا صار أرسطوطاليس إلى التبتل والتخلي عما كان فيه من الاتصال بأمور الملوك والملابسة لهم وصار إلى أثينية فهيأ موضع التعليم الذي ذكرناه فيما تقدم وهو المنسوب إلى الفلاسفة المشائين وأقبل على العناية بمصالح الناس ورفد الضعفاء وأهل الفاقة وتزويج الأيامى وعول اليتامى والعناية بتربيتهم ورفد الملتمسين للتعلم والتأدب من كانوا وأي نوع من العلم والأدب طلبوا ومعونتهم على ذلك وأنهاضهم والصدقات على الفقراء و وإقامة المصالح في المدن وجدد بناء مدينته وهي مدينة أسطاغيرا ولم يزل في الغاية من لين الجانب والتواضع وحسن اللقاء للصغير والكبير والقوي والضعيف‏.‏

وأما قيامه بأمور أصدقائه فلا يوصف ويدل على ذلك ما كتبه أصحاب السير واتفاقهم جميعاً على ما كتبوه من خبر أرسطوطاليس وسيرته وقال الأمير المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن أرسطوطاليس لما بلغ ثماني سنين حمله أبوه إلى بلاد أثينية وهي المعروفة ببلاد الحكماء وأقام في لوقين منها فضمه أبوه إلى الشعراء والبلغاء والنحويين فأقام متعلماً منهم تسع سنين وكان اسم هذا العلم عندهم المحيط أعني علم اللسان لحاجة جميع الناس إليه لأنه الأداة والمراقي إلى كل حكمة وفضيلة والبيان الذي يتحصل به كل علم وأن قوماً من الحكماء أزروا بعلم البلغاء واللغويين والنحويين وعنفوا المتشاغلين به و منهم أبيقورس وفيثاغورس وزعموا أنه لا يحتاج إلى علمهم في شيء من الحكمة لأن النحويين معلمو الصبيان والشعراء أصحاب أباطيل وكذب والبلغاء أصحاب تمحل ومحاباة ومراء فلما بلغ أرسطوطاليس ذلك أدركته الحفيظة لهم فناضل عن النحويين والبلغاء والشعراء واحتج منهم وقال أنه لا غنى للحكمة عن علمهم لأن المنطق أداة لعلمهم وقال إن فضل الإنسان على البهائم بالمنطق فأحقهم بالأنسية أبلغهم في منطقه وأوصلهم إلى عبارة ذات نفسه وأوضعهم لمنطقه في موضعه وأحسنهم اختياراً لأوجزه وأعذبه ولأن الحكمة أشرف الأشياء فينبغي أن تكون العبارة عنها بأحكم المنطق وأفصح اللهجة وأوجز اللفظ الأبعد عن الدَّخَل والزلل وسماجة المنطق وقبح اللكنة والعي فإن ذلك يذهب بنور الحكمة ويقطع عن الأداء ويقصر عن الحاجة ويلبِس على المستمع ويفسد المعاني ويورث الشبهة فلما استكلم علم العراء والنحويين والبلغاء واستوعبه قصد إلى العلوم الأخلاقية والسياسية والطبيعية والتعليمية والإلهية وانقطع إلى أفلاطن وصار تلميذاً له ومتعلماً منه وله يومئذ سبع عشر سنة‏.‏

قال المبشر بن فاتك وكان أفلاطن يجلس فيستدعي منه الكلام فيقول حتى يحضر الناس فإذا جاء أرسطوطاليس قال تكلموا فقد حضر الناس وربما قال حتى يحضر العقل فإذا حضر أرسطوطاليس قال تكلموا فقد حضر العقل قال ولما توفي أرسطوطاليس نقل أهل أسطاغيرا رِمَّته بعدما بليت وجمعوا عظامه وصيروها في إناء من نحاس ودفنوها في الموضع المعروف بالأرسطوطاليسي وصيروه مجمعاً لهم يجتمعون فيه للمشاورة في جلائل الأمور وما يحزنهم ويستريحون إلى قبره ويسكنون إلى عظامه فإذا صعب عليهم شيء من فنون العلم والحكمة آبوا بذلك الموضع وجلسوا إليه ثم تناظروا فيما بينهم حتى يستنبطوا ما أشكل عليهم ويصلح لهم ما شجر بينهم وكانوا يرون أن مجيئهم إلى ذلك الموضع الذي فيه عظام أرسطوطاليس يذكي عقولهم ويصحح فكرهم ويلطف أذهانهم وأيضاً تعظيماً له بعد موته وأسفاً على فراقه وقال المسعودي في كتاب المسالك والممالك إن المدينة الكبرى التي تسمى بالرم من جزيرة صقلية فيها مسجد الجامع الأكبر وكان بيعة للروم فيه هيكل عظيم قال وسمعت بعض المنطقيين يقول أن حكيم يوناني يعني أرسطوطاليس في خشبة معلق في هذا الهيكل الذي قد اتخذه المسلمون مسجداً وإن النصارى كانت تعظم قدره وتستشفي به لما شاهدت اليونانية عليه من إكباره وإعظامه وإن السبب في تعليقه بين السماء والأرض ما كان الناس يلاقونه عند الاستشفاء والاستسقاء والأمور المهمة التي توجب الفزع إلى اللَّه تعالى والتقرب إليه في حين الشدة والهلكة وعند وطء بعضهم لبعض قال المسعودي وقد رأيت هناك خشبة عظيمة يوشك أن يكون القبر فيها‏.‏

وقال المبشر بن فاتك وكان أرسطوطاليس كثير التلاميذ من الملوك وأبناء الملوك وغيرهم منهم ثاوفرسطس وأذيموس والاسكندرس الملك وأرمينوس وأسخولوس وغيرهم من الأفاضل المشهورين بالعلم المبرزين في الحكمة المعروفين بشرف النسب وقام من بعده ليعلم حكمته التي صنفها وجلس على كرسيه وورث مرتبته ابن خالته ثاوفرسطس ومعه رجلان يعينانه على ذلك ويؤازرانه يسمى أحدهما أرمينوس والآخر أسخولوس وصنفوا كتباً كثيرة في المنطق والحكمة وخلف من الولد ابناً صغيراً يقال له نيقوماخس وابنه صغيرة أيضاً وخلف مالاً كثيراً قال وكان أرسطوطاليس أبيض أجلح قليلاً حسن القامة عظيم العظام صغير العينين كث اللحية أشهل العينين اقنى الأنف صغير الفم عريض الصدر يسرع في مشيته إذا خلا ويبطئ إذا كان مع أصحابه ناظراً في الكتب دائماً لا يهذي ويقف عند كل كلمة ويطيل الإطراق عند السؤال قليل الجواب يتنقل في أوقات النهار في الفيافي ونحو الأنهار محباً لاستماع الألحان والاجتماع بأهل الرياضات وأصحاب الجدل منصفاً من نفسه إذا خصم معترفاً بموضع الإصابة والخطأ معتدلاً في الملابس والمآكل والمشارب والمناكح والحركات بيده آلة النجوم والساعات‏.‏

وقال حنين بن إسحق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان منقوشاً على فص خاتم أرسطوطاليس المُنْكِرُ لما يَعْلَم أَعْلَم من المقرِّ بما يعلم‏.‏

وقال الشيخ أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام المنطقي في تعاليقه إن ثيوفرسطس كان وصي أرسطوطاليس وإن أرسطوطاليس عمر إحدى وستين سنة قال وأما أفلاطن فإنه عمر كثيراً‏.‏

وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست أن أرسطوطاليس توفي وله ست وستون سنة ومن خط إسحق ولفظه عاش أرسطوطاليس سبعاً وستين سنة‏.‏

وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم أن أرسطوطاليس انتهت إلىه فلسفة اليونانيين وهو خاتم حكمائه وسيد علمائهم وهو أول من خلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة وجعلها آلة للعلوم النظرية حتى لقب بصاحب المنطق وله في جميع العلوم الفلسفية كتب شريفة كلية وجزئية فالجزئية رسائله التي يتعلم منها معنى واحد فقط والكلية بعضها تذاكير يتذكر بقراءتها ما قد علم من علمه وهي السبعون كتاباً التي وضعها لاوفارس وبعضها تعاليم يتعلم منها ثلاثة أشياء أحدها علوم الفلسفة والثاني أعمال الفلسفة والثالثة الآلة المستعملة في علم الفلسفة وغيره من العلوم‏.‏

فالكتب التي في علوم الفلسفة بعضها في العلوم التعليمية وبعضها في العلوم الطبيعية وبعضها في العلوم الآلهية‏.‏

فأما الكتب التي في العلوم التعليمية فكتابه في المناظر وكتابه في الخطوط وكتابه في الحيل وأما الكتب التي في العلوم الطبيعية فمنها ما يتعلم منه الأمور التي تعم جميع الطبائع ومنها ما يتعلم منه الأمور التي تخص كل واحد من الطبائع‏.‏

فالتي يتعلم منها الأمور التي تعم جميع الطبائع هي كتابه المسمى بسمع الكيان فهذا الكتاب يعرِّف بعدد المبادئ لجميع الأشياء الطبيعية وبالأشياء التي هي كالمبادىء وبالأشياء التوالي للمبادىء وبالأشياء المشاكلة للتوالي أما المبادئ فالعنصر والصورة وأما التي كالمبادئ فليست مبادئ بالحقيقة بل بالتقريب كالعدم وأما التوالي فالزمان والمكان وأما المشاكلة للتوالي فالخلاء والملاء وما لا نهاية له‏.‏

وأما التي يعلم منها الأمور الخاصية لكل واحد من الطبائع فبعضها في الأشياء التي لا كون لها وبعضها في الأشياء المكونة‏.‏

أما التي في الأشياء التي لا كون لها فالأشياء التي تتعلم من المقالتين الأوليتين من كتاب السماء والعالم وأما التي في الأشياء المكونة فبعض علمها عامي وبعضها خاصي‏.‏

والعامي بعضه في الاستحالات وبعضه في الحركات أما الاستحالات ففي كتاب الكون الفساد وأما الحركات ففي المقالتين الآخرتين من كتاب السماء والعالم وأما الخاصي فبعضه في البسائط وبعضه في المركبات أما الذي في البسائط ففي كتاب الآثار العلوية وأما الذي في المركبات فبعضه في وصف كليات الأشياء المركبة وبعضه في وصف أجزاء الأشياء المركبة أما الذي في وصف كليات المركبات ففي كتاب الحيوان وفي كتاب النبات وأما الذي في وصف أجزاء المركبات ففي كتاب النفس وفي كتاب الحس والمحسوس وفي كتاب الصحة والسقم وفي كتاب الشباب والهرم وأما الكتب التي في العلوم الإلهية فمقالاته الثلاثة عشرة التي في كتاب ما بعد الطبيعة وأما الكتب التي في أعمال الفلسفة فبعضها في إصلاح أخلاق النفس وبعضها في السياسة فأما التي في إصلاح أخلاق النفس فكتابه الكبير الذي كتب به إلى ابنه وكتابه الصغير الذي كتب به إلى ابنه أيضاً وكتابه المسمى أوديميا وأما التي في السياسة فبعضها في سياسة المدن وبعضها في سياسة المنزل وأما الكتب التي في الآلة المستعملة في علوم الفلسفة فهي كتبه الثمانية المنطقية التي لم يسبقه أحد ممن علمناه إلى تأليفها ولا تقدمه إلى جمعها وقد ذكر ذلك أرسطوطاليس في آخر الكتاب السادس منها وهو كتاب سوفسطيقا فقال وأما صناعة المنطق وبناء السلوجسموس فلم نجد لها فيما خلا أصلاً متقدماً نبني عليه لكنا وقفنا على ذلك بعد الجهد الشديد والنصب الطويل وهذه الصناعة وإن كنا نحن ابتدعناها واخترعناها فقد حصنا جهتها ورممنا أصولها ولم نفقد شيئاً مما ينبغي أن يكون موجوداً فيها كما فقدت أوائل الصناعات ولكنها كاملة مستحكمة مثبتة أسسها مرموقة قواعدها وثيق بنيانها معروفة غاياتها واضحة أعلامها قد قدمت أمامها أركاناً ممهدة ودعائم موطدة فمن عسى أن ترد عليه هذه الصناعة بعدنا فليغتفر خللاً إن وجده فيها وليعتد بما بلغته الكلفة منا اعتداده بالمنة العظيمة واليد الجليلة ومن بلغ جهد بلغ عذره وقال أبو نصر الفارابي أن أرسطوطاليس جعل أجزاء المنطق ثمانية كل جزء منها في كتاب الأول في قوانين المفردات من العقولات والألفاظ الدالة عليها وهي في الكتاب الملقب في العربية والثاني في قوانين الألفاظ المركبة التي هي المعقولات المركبة من معقولين مفردين والألفاظ الدالة عليها المركبة من لفظين وهي في الكتاب الملقب في العربية بالعبارة وباليونانية باريمينياس‏.‏

والثالث في الأقاويل التي تميز بها القياسات المشتركة للصنائع الخمس وهي في الكتاب الملقب في العربية بالقياس وباليونانية أنالوطيقيا الأولى‏.‏

والرابع في القوانين التي تمتحن بها الأقاويل البرهانية وقوانين الأمور التي تلتئم بها الفلسفة وكل ما يصير بها أفعالها أتم وأفضل وأكمل وهو بالعربية كتاب البرهان وباليونانية أنالوطيقيا الثانية‏.‏

والخامس في القوانين التي تمتحن بها الأقاويل وكيفية السؤال الجدلي والجواب الجدلي‏.‏

وبالجملة قوانين الأمور التي تلتئم بها صناعة الجدل وتصير بها أفعالها أكمل وأفضل وأنفذ وهو بالعربية كتاب المواضيع الجدلية وباليونانية طوبيقا‏.‏

والسادس في قوانين الأشياء التي شأنها أن تغلط عن الحق وتحيد وأحصى جميع الأمور التي يستعملها مَن قصده التمويه والمخرقة في العلوم والأقاويل ثم من بعدها أحصى ما ينبغي أن تنتفي به الأقاويل المغلطة التي يستعملها المستمع والمموه وكيف يفتتح وبأي الأشياء يوقع وكيف يتحرز الإنسان ومن أين يغلط في مطلوباته وهذا الكتاب يسمى باليونانية سوفسطيقا ومعناه الحكمة المموهة‏.‏

والسابع في القوانين التي يمتحن بها الأقاويل الخطبية وأصناف الخطب وأقاويل البلغاء والخطباء هل هي على مذهب الخطابة أم لا ويحصى فيها جميع الأمور التي بها تلتئم صناعة الخطابة ويعرف كيف صنعة الأقاويل الخطبية والخطب في فن من الأمور وبأي الأشياء تصير أجود وأكمل وتكون أفعالها أنفع وأبلغ وهذا الكتاب يسمى باليونانية الريطورية وهي الخطابة‏.‏

والثامن في القوانين التي يشير بها الأشعار وأصناف الأقاويل الشعرية المعمولة والتي تعمل من فن فن من الأمور ويحصي أيضاً جميع الأمور التي بها تلتئم صناعة الشعر وكم أصنافها وكم أصناف الأشعار والأقاويل الشعرية وكيف صنعة كل صنف منها ومن أي الأشياء تلتئم وتصير أجود وأفهم وأبهى آلة وبأي الأحوال ينبغي أن تكون حتى تصير أبلغ وأبعد وهذا الكتاب يسمي باليونانية فويطيقا وهو كتاب الشعر‏.‏

فهذه جملة أجزاء المنطق وجملة ما يشتمل عليه كل جزء منها والجزء الرابع هو أشدها تقدماً للشرف والرآسة والمنطق إنما التمس به على القصد الأول الجزء الرابع وباقي أجزائها إنما تحمل لأجل الرابع فإن الثلاثة التي تتقدمه في ترتيب التعليل هي توطئات ومداخل وطرق إليه والأربعة الباقية التي تتلوه فلشيئين أحدهما أن في كل واحد منها أرفاداً ما ومعونة على الجزء الرابع ومعونة بعضها أكثر وبعضها أقل‏.‏

والثاني على جهة التحديد وذلك أنها لو لم تتميز هذه الصنائع بعضها من بعض بالفعل حتى تعرف قوانين كل واحد منها على انفرادها متميزة عن قوانين الأخرى لم يأمن الإنسان عند التماس الحق واليقين أن يستعمل الأشياء الجدلية من حيث لا يشعر أنها جدلية فيعدل من اليقين إلى الظنون القوية ويكون قد استعمل من حيث لا يشعر أموراً خطبية فيعدل به إلى الإقناع أو يكون قد استعمل المغالطات من حيث لا يشعر وأما أن توهمه فيهما ليس بحق أنه حق فيعتقده وأما أن يكون قد استعمل الأشياء الشعرية من حيث لا يشعر أنها شعرية فيكون قد عمل في اعتقاداته على التخيلات وعند نفسه أنه سلك في كل هذه الأقوال الطريق إلى الحق وصادف متلمسه فلا يكون صادفه على الحقيقة كما أن الذي لا يعرف الأزمنة والأدوية ولا تتميز له السموم عن هذه بالفعل حتى يتقن معرفتها بعلاماتها لم يأمن أن يتناولها على أنها داء أو دواء من حيث لا يشعر فيتلف‏.‏

وأما على القصد الثاني فإنه يكون قد أعطى كل صناعة من الصنائع الأربع جميع ما تلتئم به تلك الصناعة حتى يدري الإنسان إذا أراد أن يصير جدلياً بارعاً كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي شيء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله وليعلم هل سلك فيها طريق الجدل ويدري إذا أراد أن يصير خطيباً بارعاً كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله ويعلم هل سلك في ذلك طريق الخطابة أو أي طريق غيرها وكذلك يدري إذا أراد أن يصير شاعراً بارعاً كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره من الشعر ويدري هل سلك في أقاويله طريق الشعراء أو عدل عنه وخلط به طريقاً غيره وكذلك يدري إذا أراد أن تكون له القدرة على أن يغالط غيره ولا يغالطه أحد كم شيء يحتاج إلى أن يعلمه فيدري بأي الأشياء يمكن أن يمتحن كل قول وكل رأي فيعلم هل غالط فيه أو غولط ومن أي جهة كان ذلك‏.‏

 

وصية أرسطوطاليس

قال بطليموس في كتابه إلى غلس في سيرة أرسطوطاليس ولما حضرت أرسطوطاليس الوفاة أوصى بهذه الوصية التي نحن ذاكروها قال أني جعلت وصيي أبداً في جميع ما خلفت انطيبطرس وإلى أن يُقْدم نيقاتر فليكن أرسطومانس وطيمارخس وإبرخس وديوطالس معتنين بتفقد ما يحتاج إلى تفقده والعناية بما ينبغي أن يعنى به من أمر أهلي وأربليس جاريتي وسائر جواري وعبيدي وما خلفت وإن سَهُل على ثاورسطس وأمكنه القيام معهم في ذلك كان معهم ومتى أدركت ابنتي تولى أمرها نيقاتر وإن حدث بها حدث الموت قبل أن تتزوج أو بعد ذلك من غير أن يكون لها ولد فالأمر مردود إلى نيقاتر في أمرها وفي أمر ابني نيقوماخس‏.‏

وتوصيتي إياه في ذلك أن يجري التدبير فيما يعمل به في ذلك على ما يشتهي وما يليق به لو كان أباً أو أخاً لهما وإن حدث بنيقاتر حدث الموت قبل أن تتزوج ابنتي أو بعد تزوجيها من غير أن يكون لها ولد فأوصى نيقاتر فيما خلفت بوصية فهي جائزة نافذة وإن مات نيقاتر عن غير وصية وسَهُل على ثاوفرسطس وأحبّ أن يقوم في الأمر مقامه فذلك له في جميع ما كان يقوم به نيقاتر من أمر ولدي وغير ذلك مما خلفت وإن لم يحب ثاوفرسطس القيام بذلك فليرجع الأوصياء الذين سميت إلى أنطيبطرس فيشاوروه فيما يعلمون به فيما خلفت ويمضوا الأمر على ما يتفقون عليه وليحفظني الأوصياء ونيقاتر في أربليس فإنها تستحق مني ذلك لما رأيت من عنايتها بخدمتي واجتهادها فيما وافقني ويهيئوا لها جميع ما تحتاج إليه وإن هي أحبت التزويج فلا توضع إلاعند رجل فاضل وليدفع إليها من الفضة سوى ما هو لها طالنطن واحد وهو مائة وخمس وعشرون رطلاً ومن الإماء ثلاث ممن تختار مع جاريتها التي لها وغلامها وإن هي أحبت المقام بخلقيس فلها السكنى في داري دار الضيافة التي إلى جانب البستان وإن اختارت السكنى في المدينة بأسطاغيرا فلتسكن في منازل آبائي وأي المنازل اختارته فليتخذ الأوصياء لها فيه ما تذكر أنها تحتاج إليه مما يرون أن لها فيه مصلحة وبها إليه حاجة وأما أهلي وولدي فلا حاجة بي إلى أن أوصيهم بأمرهم وليعن نيقاتر بمرمقس الغلام حتى يرده إلى بلده ومعه جميع ما له على الحالة التي يشتهيها ولتعتق جاريتي إمبراقيس وإن هي بعد العتق أقامت على خدمة ابنتي إلى أن تتزوج فليدفع إليها خمسمائة درخمى وجاريتها ويدفع إلى ثاليس الصبية التي ملكناها قريباً غلام من مماليكنا وألف درخمى ويدفع إلى سمينس ثمن غلام يبتاعه لنفسه غير الغلام الذي كان دفع إليه ثمنه ويوهب له سوى ذلك شيء على ما يرى الأوصياء‏.‏

ومتى تزوجت ابنتي فليعتق غلماني ثاخن وفيلن وأولمبوس ولا يباع ابن أولمبوس ولا أحد ممن خدمني من غلماني ولكن يقرون مماليك في الخدمة إلى أن يدركوا مدرك الرجال فإذا بلغوا ذلك فليعتقوا ويفعل بهم فيما يوهب لهم حسب استحقاقهم‏.‏

قال حنين بن إسحق في كتاب نوادر الفلاسفة أصل اجتماعات الفلاسفة أنه كانت الملوك من اليونانية وغيرها تعلم أولادها الحكمة والفلسفة وتؤدبهم بأصناف الآداب وتتخذ لهم بيوت الذهب المصورة بأصناف الصور وإنما جعلت الصور لارتياح القلوب إليها واشتياق النظر إلى رؤيتها فكان الصبيان يلازمون بيوت الصور للتأديب بسبب الصور التي فيها وكذلك نقشت اليهود هياكلها وصرت النصارى كنائسها وبيعها وزوق المسلمون مساجدهم كل ذلك لترتاح النفوس إليها وتشتغل القلوب بها فإذا حفظ المتعلم من أولاد الملوك علماً أو حكمة أو أدباً صعد على درج إلى مجلس معمول من الرخام المصور المنقوش في يوم العيد الذي يجتمع فيه أهل المملكة إلى ذلك البيت بعد انقضاء الصلاة والتبرك فيتكلم بالحكمة التي حفظها وينطق بالأدب الذي وعاه على رؤوس الأشهاد في وسطهم وعليه التاج وحلل الجواهر ويحيي المعلم ويكرم ويبر ويشرف الغلام ويعد حكيماً على قدر ذكائه وفهمه وتعظم الهياكل وتستر ويشعل فيها النيران والشمع وتبخر بالدخن الطيبة ويتزين الناس بأنواع الزينة وبقي ذلك إلى اليوم للصابئة والمجوس واليهود والنصارى إثباتات في الهياكل وللمسلمين منابر في المساجد قال حنين بن إسحق وكان إفلاطون المعلم الحكيم في زمن روفسطانيس الملك وكان اسم ابنه نطافورس وكان أرسطوطاليس غلاماً يتيماً قد سمت به همته إلي خدمة أفلاطون الحكيم فاتخذ روفسطانس الملك بيتاً للحكمة وفرشه لابنه نطافورس وأمر أفلاطون بملازمته وتعليمه وكان نطافورس غلاماً متخلفاً قليل الفهم بطيء الحفظ وكان أرسطوطاليس غلاماً ذكياً فهماً جاداً معبراً وكان أفلاطون يعلم نطافورس الحكمة والأداب فكان ما يتعلمه اليوم ينساه غداً ولا يعبر حرفاً واحداً وكان أرسطوطاليس يتلقف ما يلقى إلى نطافورس فيحفظه ويرسخ في صدره ويعي ذلك سراً عن أفلاطون ويحفظه وأفلاطون لا يعلم بذلك من سر أرسطوطاليس وضميره حتى إذا كان يوم العيد زين بيت الذهب وألبس نطافورس الحلى والحلل وحضر الملك روفسطانس وأهل المملكة وأفلاطون وتلاميذه وانقضت الصلاة وصعد أفلاطون الحكيم ونطافورس إلي مرتبة الشرف ودراسة الحكم على الأشهاد والملوك فلم يؤد الغلام نطافورس شيئاً من الحكمة ولا نطق بحرف من الأداب فأسقط في يد أفلاطون واعتذر إلى الناس بأنه لم يمتحن علمه ولا عرف مقدار فهمه وأنه كان واثقاً بحكمته وفطنته ثم قال يا معشر التلامذة من فيكم يضطلع بحفظ شيء من الحكمة وينوب عن نطافورس فبدر أرسطوطاليس فقال أنا أيها الحكيم فازدراه ولم يأذن له في الكلام ثم أعاد القول على تلامذته فبدرهم أرسطوطاليس فقال أنا يا معلم الحكمة أضطلع بما ألقيت من الحكمة إلى نطافورس فقال له ارق فرقي ارسطوطاليس الدرج بغير زينة ولا استعداد في أثوابه الدنيئة المبتذلة فهدر كما يهدر الطير وأتى بأنواع الحكمة والأدب الذي ألقاه أفلاطون إلى نطافورس ولم يترك منها حرفاً واحداً فقال أفلاطون أيها الملك هذه الحكمة التي لقنتها نطافورس قد وعاها أرسطوطاليس سرقة وحفظها سراً ما غادر منها حرفاً فما حيلتي في الرزق والحرمان وكان الملك في مثل ذلك اليوم يرشح ابنه للملك ويشرفه ويعلي مرتبته فأمر الملك باصطناع أرسطوطاليس ولم يرشح ابنه للملك وانصرف الجميع في ذلك اليوم على استحسان ما أتى به أرسطوطاليس والتعجب من الرزق والحرمان‏.‏

 

مقالة أرسطوطاليس

قال حنين بن إسحاق هذا بعض ما وجدت من حكمة أرسطوطاليس في ذلك اليوم لبارئنا التقديس والإعظام والإجلال والإكرام أيها الأشهاد العلم موهبة الباري والحكمة عطية من يعطي ويمنع ويحط ويرفع والتفاضل في الدنيا والتفاخر في الحكمة التي هي روح الحياة وعمادة العقل الرباني العلوي‏.‏

أنا أرسطوطاليس بن فيلوبيس اليتيم خادم نطافورس ابن الملك العظيم حفظت ووعيت والتسبيح والتقديس لمعلم الصواب ومسبب الأسباب أيها الأشهاد بالعقول تتفاضل الناس لا بالأصول وعيت عن أفلاطون الحكيم الحكمة رأس العلوم والأداب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان وبالفكر الثاقب يدرك الرأي العازب وبالتالي تسهل المطالب وبلين الكلم تدوم المودة في الصدور وبخفض الجناح تتم الأمور وبسعة الأخلاق يطيب العيش ويكمل السرور ويحسن الصمت جلالة الهيبة وبإصابة المنطق يعظم القدر ويرتقي الشرف وبالإنصاف يحب التواصل وبالتواضع تكثر المحبة وبالعفاف تزكو الأعمال وبالأفضال يكون السؤدد وبالعدل يقهر العدو وبالحكم تكثر الأنصار وبالرفق تستخدم القلوب وبالإيثار يستوجب اسم الجود وبالأنعام يستحق اسم الكرم وبالوفاء يدوم الإخاء وبالصدق يتم الفضل وبحسن الاعتبار تضرب الأمثال والأيام تفيد الحكم يستوجب الزيادة من عرف نقص الدنيا ومن الساعات تتولد الآفات وبالعافية يوجد طيب الطعام والشرب وبحلول المكاره يتنغص العيش وتتكدر النِّعم وبالمن يكفر بالإحسان وبالجحد للأنعام يحب الحرمان‏.‏

صديق الملول زائل عنه السيء الخلق مخاطر صاحبه الضيق الباع حسير النظر البخيل ذليل وإن كان غنياً والجواد عزيز وإن كان مقلاً الطمع هو الفقر الحاضر اليأس الغني الظاهر لا أدري نصف العلم السرعة في الجواب توجب العثار التروي في الأمور يبعث على البصائر الرياضة تشحذ القريحة الأدب يغني عن الحسب التقوى شعار العالم والرياء لبوس الجاهل مقاساة الأحمق عذاب الروح الاستهتار بالنساء فعل الفوكي الاشتغال بالفائت تضييع الأوقات المتعرض للبلاء مخاطر بنفسه التمني سبب الحسرة الصبر تأييد العزم وثمرة الفرج وتمحيق المحنة صديق الجاهل مغرور المخاطر خائب من عرف نفسه لم يضع بين الناس وزاد علمه على عقله كان علمه وبالا عليه المجرب أحكم من الطبيب إذا فاتك الأدب فالزم الصمت‏.‏

من لم ينفعه العلم يأمن ضرر الجهل من تأنَ لم يندم من افتخر ارتطم من عجل تورط من تفكر سلم ومن روى غنم من سأل علم من حمل ما لا يطيق ارتبك التجارب ليس لها غاية والعاقل منها في زيادة للعادة على كل أحد سلطان وكل شيء يستطاع نقله إلا الطباع وكل شيئ يتهيأ فيه حيلة إلا القضاء من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار قد يكتفي من حظ البلاغة بالإيجاز لا يؤتى الناطق إلا من سوء فهم السامع ومن وجد برد اليقين أغناه عن المنازعة في السؤال ومن عدم دَرْك ذلك كان مغموراً بالجهل ومفتوناً بعجب الرأي ومعدولاً بالهوى عن باب التثبت ومصروفاً بسوء العادة عن تفصيل التعليم الجزع عند مصائب الإخوان أحمد من الصبر وصبر المرء على مصيبته أحمد من جزعه ليس شيء أقرب إلى تغيير النعم من الإقامة على الظلم من طلب خدمة السلطان بغير أدب خرج من السلامة إلى العطب الارتقاء إلى السؤدد صعب والانحطاط إلى الدناءة سهل‏.‏

قال حنين بن اسحق وهذا الصنف من الآداب أول ما يعلمه الحكيم للتلميذ في أول سنة مع الخط اليوناني ثم يرفعه من ذلك إلى الشعر والنحو ثم إلى الحساب ثم إلى الهندسة ثم إلى النجوم ثم إلى الطب ثم إلى الموسيقى ثم بعد ذلك يرتقي إلى المنطق ثم الفلسفة وهي علوم الآثار العلوية فهذه عشرة علوم يتعلمها المتعلم في عشر سنين‏.‏

فلما رأى أفلاطون الحكيم حفظ أرسطوطاليس لما كان يلقي إلى نطافورس وتأديبه إياه كما ألقاه سرّه حفظه وطبعه ورأى الملك قد أمر بإصطناعه فاصطنعه هو وأقبل عليه وعلمه علماً علماً حتى وعى العلوم العشرة وصار فيلسوفاً حكيماً جامعاً لما تقدم ذكره‏.‏

أقول ومن كلام أرسطوطاليس وهو أصل يعتمد عليه في الصحة عجبت لمن يشرب ماء الكرم ويأكل الخبز واللحم ويقتصد في حركته وسكونه ونومه ويقظته وأحسن السياسة في جماعة وتعديل مزاجه كيف يمرض

 

آداب أرسطوطاليس

ومن آداب أرسطوطاليس وكلماته الحكيمة مما ذكره الأمير المبشر بن فاتك قال أرسطوطاليس اعلم أنه ليس شيء أصلح من أولي الأمر إذا صلحوا ولا أفسد لهم ولأنفسهم منهم إذا فسدوا فالوالي من الرعية بمنزلة الروح من الجسد الذي لا حياة له إلا بها وقال احذر الحرص و فأما ما هو مصلحك ومصلح على يديك فالزهد واعلم أن الزهد باليقين واليقين بالصبر والصبر بالفكر فإذا فكرت في الدنيا لم تجدها أهلاً لأن تكرمها بهوان الآخرة لأن الدنيا دار بلاء منزل بلغة وقال إذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم تكن له القناعة فليس المال مغنيه وإن كثر وقال إعلم أن من علامة تنقل الدنيا وكدر عيشها أنه لا يصلح منها جانب إلا بفساد جانب آخر ولا سبيل لصاحبها إلى عز إلا بإذلال ولا استغناء إلا بافتقار واعلم أنه ربما أصيبت بغير حزم في الرأي ولا فضل في الدين فإن أصبحت حاجتك منها وأنت مخطئ أو أدبرت عنك وأنت مصيب فلا يستخفنك ذلك إلى معاودة الخطأ ومجانبة الصواب‏.‏

وقال لا تبطل عمراً في غير نفع ولا تضع لك مالاً في غير حق ولا تصرف لك قوة في غير عناء ولا تعدل لك رأياً في غير رشد فعليك بالحفظ لما أتيت من ذلك والجد فيه وخاصة في العمر الذي كل شيء مستفاد سواه وإن كان لا بد لك من إشغال نفسك بلذة فلتكن في محادثة العلماء ودرس كتب الحكمة‏.‏

وقال اعلم أنه ليس من أحد يخلو من عيب ولا من حسنة فلا يمنعك عيب رجل من الاستعانة به فيما لا نقص به ولا يحملنك ما في رجل من الحسنات على الاستعانة به فيما لا نقص به ولا يحملنك ما في رجل من الحسنات على الاستعانة به فيما لا معونة عنده عليه واعلم أن كثرة وقال العدل ميزان اللَّه عزّ وجلّ في أرضه وبه يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل فمن أزال ميزان اللَّه عما وضعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة واعتزر باللَّه سبحانه أشد اعتزازاً‏.‏

وقال العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً وقال ليس طلبي للعلم طمعاً في بلوغ قاصيته ولا الاستيلاء على غايته ولكن التماساً لما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه‏.‏

وقال اطلب الغنى الذي لا يفنى والحياة التي لا تتغير والملك الذي لا يزول والبقاء الذي لا يضمحل وقال أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعاً لك وقال كن رؤوفاً رحيماً ولا تكن رأفتك ورحمتك فساداً لمن يستحق العقوبة ويصلحه الأدب وقال خذ نفسك بإثبات السنة فإن فيها إكمال التقي وقال افترص من عدوك الفرصة واعمل على أن الدهر دول وقال لا تصادم من كان على الحق ولا تحارب من كان متمسكاً بالدين وقال صير الدين موضع ملكك فمن خالفه فهو عدو لملكك ومن تمسك بالسنة فحرام عليك ذمه وإدخال المذلة عليه واعتبر ممن مضى ولا تكن عبرة لمن بعدك وقال لا فخر فيما يزول ولا غنى فيما لا يثبت وقال عامل الضعيف من أعدائك على أنه أقوى منك وتفقد جندك تفقد من قد نزلت به الآفة واضطرته إلى مدافعتهم قال دار الرعية مداراة من قد انتهكت عليه مملكته وكثرت عليه أعداؤه وقال قدم أهل الدين والصلاح والأمانة على أنك تنال بذلك في العاقبة الفوز وتتزين به في الدنيا وقال اقمع أهل الفجور على أنك تصلح دينك ورعيتك بذلك وقال لا تغفل فإن الغفلة تورث الندامة وقال لا ترج السلامة لنفسك حتى يسلم الناس من جورك ولا تعاقب غيرك على أمر ترخص فيه لنفسك واعتبر بمن تقدم واحفظ ما مضى والزم الصحة يلزمك النصر وقال الصدق قوام أمر الخلائق والكذب داء لا ينجو من نزل به ومن جعل الأجل إمامه أصلح نفسه ومن وسخ نفسه أبغضته خاصته وقال لن يسود من يتبع العيوب الباطنة من إخوانه من تجبر على الناس ذلته من أفرط في اللوم كره الناس حياته من مات محموداً كان أحسن حالاً ممن عاش مذموماً من نازع السلطان مات قبل يومه أي مَلِك نازع السوقة هُتِك شرفه أي ملك تطنف إلى المحقرات فالموت أكرم له وقال من أسرف في حب الدنيا مات فقيراً ومن قنع مات غنياً من أسرف في الشراب فهو من الأسفل من مات قل حساده وقال الحكمة شرف من لا قديم له الطمع يورث الذلة التي لا تستقال اللؤم يهدم الشرف ويعرض النفس للتلف سوء الأدب يهدم ما بناه الأسلاف الجهل سر الأصحاب بذل الوجه إلى الناس هو الموت الأصغر ينبغي للمدبر أن لا يتخذ الرعية مالاً وقنية ولكن يتخذهم أهلاً وإخواناً ولا يرغب في الكرامة وكتب إلى الاسكندر في وصاياه له إن الأردياء ينقادون بالخوف والأخيار ينقادون بالحياء فميز بين الطبقتين واستعمل في أولئك الغلظة والبطش وفي هؤلاء الأفضال والإحسان وقال أيضاً ليكن غضبك أمراً بين المنزلتين لا شديداً قاسياً ولا فاتراً ضعيفاً فإن ذلك من أخلاق السباع وهذا من أخلاق الصبيان وكتب إليه أيضاً إن الأمور التي يشرف بها الملوك ثلاثة سن السنن الجميلة وفتح الفتوح المذكورة وعمارة البلدان المعطلة وقال اختصار الكلام طي المعاني رغبتك فيمن يزهد فيك ذل نفس وزهدك فيمن يرغب فيك قِصر همة النميمة تهدي إلى القلوب البغضاء من واجهك فقد شتمك ومن نقل إليك نقل عنك الجاهل عدو لنفسه فكيف يكون صديقاً لغيره السعيد من اتعظ بغيره‏.‏

وقال لأصحابه لتكن عنايتكم في رياضة أنفسكم فأما الأبدان فاعتنوا بها لما يدعو إليه الاضطرار واهربوا من اللذات فإنها تسترقّ النفوس الضعيفة ولا قوة بها على القوية وقال إنا لنحب الحق ونحب أفلاطون فإذا افترقا فالحق أولى بالمحبة الوفاء نتيجة الكرم لسان الجاهل مفتاح حتفه الحاجة تفتح باب الحيلة الصمت خير من عجز المنطق بالأفضال تعظم الأقدار بالتواضع تتم النعمة باحتمال المؤن يجب السؤدد بالسيرة العدالة تقل المساوئ بترك ما لا يعنيك يتم لك الفضل بالسعايات تنشأ المكاره ونظر إلى حَدَث يتهاون بالعلم فقال له إنك إن لم تصبر على تعب العلم صبرت على شقاء الجهل‏.‏

وسعى إليه تلميذ له بآخر فقال له أتحب أن نقبل قولك فيه على أنا نقبل قوله فيك قال لا قال فكف عن الشر يكف عنك‏.‏

ورأى إنساناً ناقهاً يكثر من الأكل وهو يرى أنه تقوية فقال له يا هذا ليس زيادة القوة بكثرة ما يرد البدن من الغذاء ولكن بكثرة ما يقبل منه وقال كفى بالتجارب تأدباً وبتقلب الأيام عظة وقيل لأرسطوطاليس ما الشيء الذي لا ينبغي أن يقال وإن كان حقاً فقال مدح الإنسان نفسه وقيل له لم حفِظَت الحكماءُ المالَ فقال لئلا يقيموا أنفسهم بحيث لا يستحقونه من المقام وقال امتحن المرء في وقت غضبه لا في وقت رضاه وفي حين قدرته لا في حين ذلته وقال رضى الناس غاية لا تدرك فلا تكره سخط من رضاه الجور‏.‏

وقال شَرُف الإنسان على جميع الحيوان بالنطق والذهن فإن سكت ولم يفهم عاد بهيمياً وقال لا تكثروا من الشراب فيغير عقولكم ويفسد أفهامكم وأعاد على تلميذ له مسألة فقال له أفَهمت قال التلميذ نعم قال لا أرى آثار الفهم عليك قال وكيف ذلك قال لا أراك مسروراً وقال لكل شيء خاصة وخاصة العقل حسن الاختيار وقال لا يلام الإنسان في ترك الجواب إذا سئل حتى يتبين أن السائل قد أحسن السؤال لأن حسن السؤال سبيل وعلة إلى حسن الجواب وقال كلام العجلة موكل به الزلل وقال إنما يحمل المرء على ترك ابتغاء ما لم يعلم قلة انتفاعه بما قد علم وقال من ذاق حلاوة عمل صبر على مرارة طرقه ومن وجد منفعة علم عني بالتزيد فيه وقال دفع الشر بالشر جلد ودفع الشر بالخير فضيلة وقال ليكن ما تكتب من خير ما يقرأ وما تحفظ من خير ما يكتب وكتب إلى الاسكندر إذا أعطاك اللَّه ما تحب من الظفر فافعل ما أحب من العفو وقال لا يوجد الفخور محموداً ولا الغضوب مسروراً ولا الكريم حسوداً ولا الشره غنياً ولا الملول دائم الإخاء ولا مفتتح يعجل الإخاء ثم يندم وقال إنما غلبت الشهوة على الرأي في أكثر الناس لأن الشهوة معهم من لدن الصبا والرأي إنما يأتي عند تكاملهم فإنهم بالشهوة لقدم الصحبة أكثر من أنسهم بالرأي لأنه فيهم كالرجل الغريب‏.‏

ولما فرغ من تعليم الاسكندر دعا به فسأله عن مسائل في سياسة العامة والخاصة فأحسن الجواب عنها فناله بغاية ما كره من الضرب والأذى فسئل عن هذا الفعل فقال هذا غلام يرشح للملك فأردت أن أذيقه طعم الظلم ليكون رادعاً له عن ظلم الناس‏.‏

وأمر أرسطوطاليس عند موته أن يدفن ويبنى عليه بيت مثمن يكتب في جملة جهاته ثمان كلمات جامعات لجميع الأمور التي بها مصلحة الناس وتلك الكلم الثمان هي هذه على هذا المثال

 

كتب أرسطوطاليس

ولأرسطوطاليس من الكتب المشهورة مما ذكره بطليموس كتاب يحض فيه على الفلسفة ثلاث مقالات كتاب سوفسطس مقالة كتاب في صناعة الريطوري ثلاث مقالات كتاب في العدل أربع مقالات كتاب في الرياضة والأدب المصلحين لحالات الإنسان في نفسه أربع مقالات كتاب في شرف الجنس خمس مقالات كتاب في الشعراء ثلاث مقالات كتاب في الملل ست مقالات كتاب في الخير خمس مقالات كتاب أرخوطس ثلاث مقالات كتاب في الخطوط هل هي منقسمة أم لا ثلاث مقالات كتاب في صفة العدل أربع مقالات كتاب في التباين والاختلاف أربع مقالات كتاب في العشق ثلاث مقالات كتاب في الصور هل لها وجود أم لا ثلاث مقالات كتاب في اختصار قول فلاطن مقالتان كتاب في اختصار أقاويل فلاطن في تدبير المدن خمس مقالات كتاب في اختصار قول فلاطن في اللذة في كتابه في السياسة مقالتان كتاب في اللذة مقالتان كتاب في الحركات ثمان مقالات كتاب في المسائل الحيلية مقالتان كتاب في صناعة الشعر على مذهب فيثاغورس مقالتان كتاب في الروح ثلاث مقالات كتاب في المسائل ثلاث مقالات كتاب في نيل مصر ثلاث مقالات كتاب في اتخاذ الحيوان المواضع ليأوي فيها ويكمن مقالة كتاب في جوامع الصناعات مقالة كتاب في المحبة ثلاث مقالات كتاب قاطيغورياس مقالة كتاب أرمينياس مقالة كتاب طوبيقا ثمان مقالات كتاب أنولوطيقا وهو القياس مقالتان كتاب أفودقطيقا وهو البرهان مقالتان كتاب في السوفسطائية مقالة كتاب في المقالات الكبار في الأخلاق مقالتان كتاب في المقالات الصغار في الأخلاق إلى أوذيمس ثمان مقالات كتاب في تدبير المدن ثمان مقالات كتاب في صناعة الشعر كتاب في سمع الكيان ثمان مقالات كتاب في السماء والتالم أربع مقالات كتاب في الكون والفساد مقالتان كتاب في الآثار العلوية أربع مقالات كتاب في النفس ثلان مقالات كتاب في الحس والمحسوس مقالة كتاب في الذكر والنوم مقالة كتاب في حركة الحيوانات وتشريحها سبع مقالات كتاب في طبائع الحيوان عشر مقالات كتاب في الأعضاء التي بها الحياة أربع مقالات كتاب في كون الحيوان خمس مقالات كتاب في حركات الحيوانات الكائنة على الأرض مقالة كتاب في طول العمر وقصره مقالة كتاب في الحياة والموت مقالة كتاب في النبات مقالتان كتاب فيما بعد الطبيعة ثلاث عشر مقالة كتاب في مسائل هيولانية مقالة كتاب في مسائل طبيعية أربع مقالات كتاب في القسم ست وعشرون مقالة ويذكر في هذا الكتاب أقسام الزمان وأقسام النفس والشهوة وأمر الفاعل والمنفعل والفعل والمحبة وأنواع الحيوان وأمر الخير والشر والحركات وأنوع الموجودات كتاب في قسم فلاطن ست مقالات كتاب في قسمة الشروط التي تشترط في القول وتوضع ثلاث مقالات كتاب في مناقضة من يزعم بأن تؤخذ مقدمات النقيض من نفس القول تسع وثلاثون مقالة كتاب في النفي يسمى إيسطاسس ثلاث عشرة مقالة كتاب في الموضوعات أربع وثلاثون مقالة كتاب في موضوعات عشقية مقالة كتاب في الحدود ست عشرة مقالة كتاب في الأشياء التحديدية أربع مقالات كتاب في تحديد طوبيقا مقالة كتاب في تقويم حدود طوبيقا ثلاث مقالات كتاب في موضوعات تقوم بها الحدود مقالتان كتاب في مناقضة الحدود مقالتان كتاب في صناعة التحديد التي استعملها ثاوفرسطس لانالوطيقا الأولى مقالة كتاب في تقويم التحديد مقالتان كتاب في مسائل ثمان وستون مقالة كتاب في مقدمات المسائل ثلاث مقالات كتاب في المسائل الدورية التي يستعملها المتعلمون أربع مقالات كتاب في الوصايا أربع مقالات كتاب في التذكرات مقالتان كتاب في الطب خمس مقالات كتاب في تدبير الغذاء مقالة كتاب في الفلاحة عشر مقالات كتاب في الرطوبات مقالة كتاب في النبض مقالة كتاب في الأعراض العامية ثلاث مقالات كتاب في الآثار العلوية مقالتان كتاب في تناسل الحيوان مقالتان كتاب آخر في تناسل الحيوانات مقالتان كتاب في المقدمات ثلاث وعشرون مقالة كتاب آخر في مقدمات أخر سبع مقالات كتاب في سياسة المدن وعدد الأمم ذكر فيه مائة وإحدى وسبعين مدينة كبيرة كتاب في تذكرات عدة ست عشر مقالة كتاب آخر في مثل ذلك مقالة كتاب في المناقضات كتاب في المضاف مقالة كتاب في الزمان مقالة كتبه التي وجدت في خزانة أبليقون عدة مقالات كتابه في تذكرات أخر كتاب كبير مجموع فيه عدة رسائل ثمانية أجزاء كتاب في سير المدن مقالتان رسائل وجدها أندرونيقوس في عشرين جزء كتب فيها عدة تذكرات عددها وأسماؤها في كتاب أندرونيقوس في فهرست كتب أرسطو كتاب في مسائل من عويص شعر أوميرس في عشرة أجزاء كتاب في معاني مليحة من الطب‏.‏

قال بطليموس فهذه جملة ما شاهدت له من الكتب وقد شاهد غيري كتبا أخر عدة أقول ولأرسطوطاليس أيضاً من الكتب مما وجدت كثيراً منها غير الكتب التي شاهدها بطليموس كتاب الفراسة كتاب السياسة المدنية كتاب السياسة العملية مسائل في الشراب شراب الخمر والسكر وهي اثنتان وعشرون مسألة كتاب في التوحيد على مذهب سقراط كتاب الشباب والهرم كتاب الصحة والسقم كتاب في الأعداء كتاب في الباه رسائله إلى ابنه وصيته إلي نيقانر كتاب الحركة كتاب فضل النفس كتاب في العظم الذي لا يتجزأ كتاب التنقل رسالته الذهبية رسالة إلى الاسكندر في تدبير الملك كتاب الكنايات والطبيعيات كتاب في علل النجوم كتاب الأنواء رسالة في اليقظة كتاب نعت الأحجار ومنافعها والسبب في خلق الأجرام السماوية كتاب إلى الاسكندر في الروحانيات وأعمالها في الأقاليم كتاب الأسماطاليس إلى الاسكندر رسالة في طبائع العالم إلى الاسكندر كتاب الأصطماخيس وضعه حين أراد الخروج إلى بلد الروم كتاب الحيل كتاب المرآة كتاب القول على الربوبية كتاب المسائل الطبيعية ويعرف أيضاً بكتاب ما بال سبع عشرة مقالة كتاب ماطافوسيقا وهو كتاب ما بعد الطبيعة اثنتا عشرة مقالة كتاب الحيوان تسع عشرة مقالة كتاب نعت الحيوانات الغير ناطقة وما فيها من المنافع والمضار وغير ذلك كتاب إيضاح الخير المحض كتاب الملاطيس كتاب في نفث الدم كتاب المعادن كتاب اليتيم وهو كتاب الغالب والمغلوب والطالب والمطلوب ألفه للإسكندر الملك كتاب أسرار النجوم‏.‏